الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرد الله تعالى عليه ظنه قائلا: بَلى أي بلى، إنه سيرجع إلى الله تعالى، وسيعيده إليه ربه كما بدأه، ويجازيه على أعماله، خيرها وشرها، فإن ربه كان به وبأعماله مطلعا خبيرا، لا يخفى عليه منها شيء.
وفي هذا دلالة واضحة على أنه لا بد من دار للجزاء غير دار التكليف، لأن ذلك مقتضى العلم التام، والقدرة الشاملة، والحكمة البالغة.
تأكيد وقوع القيامة
أكد الله تعالى بمناسبات مختلفة غرس عقيدة الإيمان بالبعث على وقوع يوم القيامة، وما يتبعها من أهوال، بقسم صادر من الله تعالى، بآيات كونية، منها في سورة الانشقاق: الشفق الأحمر بعد الغروب، والليل، والقمر، على أن هذا اليوم كائن لا محالة، وأن الناس يتعرضون فيه لشدائد الأهوال. ومع الأسف لا يؤمن بعض الناس بالقرآن وبالقيامة، ولا يصغون لآي القرآن، عنادا منهم وتكبرا، فيجازون أشد العذاب، إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا، فله الثواب الدائم غير المنقطع، وهذا ما نصت عليه الآيات الآتية:
[سورة الانشقاق (84) : الآيات 16 الى 25]
فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (19) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20)
وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» [الانشقاق: 84/ 16- 25] .
(1) الحمرة التي تعقب غيبوبة الشمس، مع البياض التابع لها في الأغلب.
(2)
أي جمع وضم.
(3)
اجتمع وتكامل بدرا.
(4)
لتلاقنّ حالا بعد حال، بعضها أشد من بعض، وهي الموت وما يتبعه من أحوال القيامة.
(5)
يحفظونه في قلوبهم من شرك أو عصيان وغيرهما من أمراض القلوب.
(6)
غير مقطوع.
المعنى: أقسم، ولا: زائدة، أو لنفي كلام سابق قبل القسم، أقسم بالشفق:
وهو الحمرة بعد غروب الشمس إلى وقت العشاء، وبالليل الأسود وما جمع وضم، وستر ما انتشر في النهار، وبالقمر إذا تم واكتمل بدرا، في منتصف كل شهر قمري.
والقسم بهذه الأشياء تنويه بعظمتها وعظمة مبدعها. وجواب القسم هو: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً أي لتصادفن أحوالا بعد أحوال، هي طبقات في الشدة، بعضها أشد من بعض، وهي الموت وما بعده من مواطن القيامة وأهوالها، ثم يكون المصير الأخير:
وهو الخلود في الجنة أو في النار.
ثم وبخ الله وأنكر على المشركين استبعادهم البعث، بقوله: فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) أي فأي شيء يمنعهم عن الإيمان بصحة البعث أو القيامة، وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به القرآن؟! مع وجود موجبات الإيمان بذلك، من الأدلة الكونية القاطعة الدالة على قدرة الله على كل شيء، والمعجزات الظاهرة الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، وصدق الوحي القرآني المنزل عليه.
وأي مانع يمنعهم من السجود والخضوع لله تعالى عند قراءة القرآن الذي دل إعجازه على كونه منزلا من عند الله تعالى؟! ويكون سجودهم تعظيما للقرآن ومنزله، بعد أن علموا كونه معجزا، وهم يتذوقون العربية ويدركون فصاحتها وبلاغتها.
والواقع أن الكفار يكذبون بالكتاب المشتمل على إثبات التوحيد والبعث والثواب والعقاب، إما حسدا، وإما خوفا من ضياع المصالح والمراكز. والله أعلم من جميع المخلوقات بما يضمرونه في أنفسهم من التكذيب، وأعلم بأسباب الإصرار على الشرك أو الكفر، وبجميع الأعمال الصالحة والمنكرة، من أمراض القلوب من حسد وحقد وتكبر وكراهية، وقوله تعالى: يُوعُونَ معناه يجمعون من الأعمال والتكذيب والكفر، كأنهم يحملونها في أوعية.
فأخبرهم أيها النبي بما أعد الله لهم من عذاب مؤلم، واستعمل تعبير البشارة بدلا عن الخبر بالعذاب تهكما بهم واستهزاء منهم.
ثم استثنى الله تعالى من كفار قريش القوم الذين كانوا سبق لهم الإيمان في قضائه، والمعنى: لكن الذين آمنوا بالله ورسوله واليوم الآخر، وخضعوا للقرآن الكريم، وعملوا بما جاء به، والتزموا صالح الأعمال، لهم في الدار الآخرة أجر أو ثواب غير مقطوع ولا منقوص، ولا يمن به عليهم. كما جاء في آية أخرى: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود: 11/ 108] . والاستثناء منقطع في رأي الزمخشري، وقال أكثر المتأولين:
معناه إلا من تاب منهم وعمل صالحا، فله الثواب العظيم. وفي هذا ترغيب بالإيمان والطاعة وزجر عن الكفر والمعصية.
دلت الآيات على أن القادر على تغيير أفلاك السماء من حال إلى حال قادر على البعث وإحياء الإنسان بعد موته، والشواهد والأدلة الكونية ناطقة كلها على قدرة الله على ذلك. إلا أن الكافرين يكذبون بلا حجة ولا برهان، فيكونون جديرين باستحقاق العذاب الأليم، والعذاب حق وعدل، إذ لا يعقل التسوية بين المؤمن الطائع، والكافر العاصي.
وما أجمل الأنس بوعد الله تعالى والتذكير برحمته، حين يجد الإنسان بعد إشاعة جو العذاب والتهديد والوعيد غرس الأمل بالرحمة، لذا كان الأسلوب القرآني في غاية الروعة والبيان، حين يقرن الكلام عن العذاب، بالكلام عن النعيم والرحمة والإحسان، إما قبل أخبار العذاب، أو بعد الإخبار به، فترتاح النفوس وتطمئن القلوب، وتتفتح أبواب الأمل في فكر الإنسان وتذكيره بضرورة العودة إلى جادة الاستقامة والإيمان والتزام العمل الصالح.