الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ
[يس: 36/ 78- 81] .
جحود النعمة
غريب أمر الإنسان، تراه مع غيره من الناس إذا قدّم له معروفا، أكبره وشكره، وتذلل بين يديه، ثم يحرص على رد الجميل ومكافأة المعروف إما بالهدية وإما بالثناء باللسان في المناسبات المختلفة على ملأ من الناس. لكن هذا الإنسان مع الأسف جحود للنعمة الإلهية، مع أنها أعظم وأدوم، وأبقى أثرا، ولا تحتاج إلا للإقرار بالنعمة والاعتراف بالمنعم وهو الله، وبمقابلة الفضل الإلهي بالإصغاء لأمر الله وطاعته، واجتناب نهيه ومعصيته، وفي الحالين من امتثال الأمر والبعد عن النهي، يعود أثر ذلك على الإنسان بالخير العميم والنفع التام، قال الله تعالى مبينا سوء حال الكافرين، وتنكرهم لفضل الله وإحسانه:
[سورة الروم (30) : الآيات 51 الى 53]
وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَاّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53)
[الروم: 30/ 51- 53] .
أخبر الله تعالى في هذه الآيات عن سوء أحوال الكافرين، وتقلب ابن آدم في أنه بعد الاستبشار بالمطر، إذا بعث الله ريحا ضارة، فاصفرّ بها النبات، ظل يكفر قلقا منه، وقلة توكل على الله، وعدم تسليم لله عز وجل، والمعنى: تالله لئن بعثنا ريحا سامة، حارة أو باردة، على نبات أو زرع أو ثمر، فرأى الناس ذلك الزرع قد اصفر،
ومال إلى الفساد بعد خضرته، لظلوا من بعد ذلك الفرح والبشر بالمطر، يجحدون نعم الله التي أنعم بها عليهم.
فلا تحزن أيها النبي على إعراض مشركي مكة وأمثالهم عن دعوتك، بعد إيراد أدلة القدرة الإلهية على البعث وعلى توحيد الله، فإنك لا تستطيع إفهام الموتى، أو إسماعهم سماع تدبر واتعاظ، ولا تقدر إسماع دعوتك أهل الصمم عن الحق، إذا أدبروا عنك ولم يقبلوا هدايتك، فإنهم أشبه بالموتى في القبور، وبفاقدي حاسة السمع من المعاقين، لسدّهم منافذ الهداية، وفقد الاستعداد لسماع كلمة الحق. وليس في مقدورك أيها النبي هداية أهل العمى عن رؤية الحق، والرد عن الضلالة، فإن الهداية إلى الله تعالى، وهو القادر على إسماع الأموات أصوات الأحياء إذا شاء، وإنه تعالى يفعل ما يشاء، بهداية من يريد، وإضلال من يريد، وليس ذلك لأحد سواه.
وما أنت يا محمد بمسمع إسماعا ينفع ويجدي إلا من آمن بالله ربا، وبالقرآن إماما، وبآيات الله برهانا وحجة، وبتوجيهات الرب إلى أفضل المقاصد وأقوم الطرق، وهؤلاء المؤمنون على هذا النحو هم المسلمون، أي الخاضعون لله تعالى، المطيعون لكل ما أمر ونهى، السامعون إلى الحق سماع إعظام وإكبار، وامتثال واتباع.
ليس في قدرتك إذن يا محمد هداية أحد، ولا عليك أن تهدي أحدا، ما عليك إلا البلاغ المبين، وإبلاغ الدعوة إبلاغا حسنا بالحكمة والموعظة الحسنة.
وهذا كله من إبعاد السماع عن عقول الكفار وقلوبهم يقصد به اليأس من استجابتهم للإسلام والقرآن، بسبب موقفهم المعاند وآرائهم العنيدة، واستكبارهم عن الإذعان للحق. وهذا لا يعارض الثابت في السنة النبوية من سماع الموتى كلام الأحياء، والاستئناس بزوار القبور الذين يمتثلون الأوامر والآداب الإلهية، من غير تبرم ولا تسخط ولا معارضة للقضاء والقدر. فلقد أجمع السلف على هذا، وشرع