الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى: كُلُّ مَنْ. وقوله وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ الوجه: عبارة عن الذات، لأن العضو منفي عن الله تعالى، وهذا كما تقول: هذا وجه القول والأمر، أي حقيقته وذاته، وذُو الْجَلالِ صفة لفظة الوجه.
نعم الله وعجائبه يوم القيامة
النّعم الإلهية موصولة في الدنيا والآخرة، وفي كل نعمة تعجب من صنعها وتيسيرها للناس، وفيها دلالة واضحة على عظمة القدرة الإلهية، وكون كل شيء بخلق الله وإبداعه، حتى إن كل الاكتشافات والاختراعات المادية، وإن صدرت في الظاهر من الإنسان، فإنما هي بإلهام الله وإرشاده وتعليمه، وكذلك غزو الفضاء بالآلات والأقمار الصناعية وسفن الفضاء والصواريخ، إنما تم بتمكين الله وتعليمه.
وسيفاجأ الإنسان في الآخرة بغرائب الأحداث والظواهر الكونية خلافا للمألوف في الدنيا، كانشقاق السماء وتبدّلها، وتسيير الجبال وإزالتها، وتفرّد الله بالحساب والجزاء، وكون المسؤولية شخصية أو فردية، وتميّز المجرمين عمن سواهم، ومشاهدة جهنم المستعرة تغيّظا وإرهابا. قال الله تعالى واصفا هذه الأحوال:
[سورة الرحمن (55) : الآيات 29 الى 45]
يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (30) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (31) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (32) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَاّ بِسُلْطانٍ (33)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (35) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (37) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (38)
فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (41) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (42) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43)
يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (45)
«1» «2» «3» «4»
(1) كل وقت يظهر شأن من قدرته التي سبقت في الأزل في ميقاته من الزمن، من إحياء وإماتة ورفع وخفض. والشأن: اسم جنس للأمور.
(2)
سنتجرد لحسابكم وجزائكم يوم القيامة أيها الإنس والجن.
(3)
بقوة وقهر، وذلك مستبعد.
(4)
لهب خالص لا دخان فيه.
«1» «2» «3» [الرّحمن: 55/ 29- 45] .
المعنى: كل إنسان بحاجة إلى الله تعالى، فجميع من في السماوات والأرض يطلبون حوائجهم من الله تعالى، فلا يستغني عنه أهل السماء والأرض. والسائل الناطق يتكلم، وغير الناطق يعتمد على حاله، فحاله يقتضي السؤال. والله سبحانه يظهر في كل وقت أو زمن شأنا من شؤون قدرته الأزلية، من إحياء وإماتة، ورفع وخفض وغير ذلك من الأمور التي لا يعلم نهايتها إلا هو جلّ وعلا. والشأن: اسم جنس للأمور. فبأي نعم الله تكذبان معشر الجن والإنس، فإن اختلاف شؤونه في تدبير عباده: نعمة لا تجحد، ولا تكذّب.
وسنتجرّد لحسابكم وجزائكم على أعمالكم معشر الجن والإنسان، فبأي شيء من نعم الله تكذبان أيها الثقلان. وقوله تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (31) : عبارة عن إتيان الوقت الذي قدّر فيه وقضى أن ينظر في أمر عباده، وذلك يوم القيامة.
وليس المعنى: أن هناك شغلا يفرغ منه، وإنما هي إشارة وعيد. والثّقلان: الجن والإنس، يقال لكل ما يعظم أمره: ثقيل.
أيها الجنّ والإنس، إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السماوات والأرض ونواحيهما هربا من قضاء الله وقدره، فاخرجوا منها، لا تقدرون على النفوذ من حكمه إلا بقوة وقهر، ولا قوة لكم على ذلك ولا قدرة، فلا يمكنكم الهرب.
(1) مذابة كالدهن أو كالجلد الأحمر.
(2)
علامتهم.
(3)
ماء حار.
والمعشر: الجماعة العظيمة. والسلطان: القوة على تحقيق غرض الإنسان، أو الحجة.
والأقطار: الجهات. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن استطعتم بأذهانكم وفكركم أن تنفذوا فتعلموا علم أقطار السماوات والأرض. فبأي نعم الله تكذبان أيها الثقلان: الجن والإنس؟
ولو خرجتم من جوانب السماوات والأرض يسلط عليكم أيها الإنس والجن لهب النار الخالص، ويصبّ على رؤوسكم نحاس مذاب، فلا تقدرون على الامتناع من عذاب الله. وتثنية ضمير (عليكما) لبيان الإرسال في الجملة على النوعين من الإنس والجن، لا على كل واحد منهما، ولا على الجميع.
ومن أحوال الآخرة والجزاء: أنه إذا جاء يوم القيامة انصدعت السماء، وتبددت وصارت كوردة حمراء، وذابت مثل الدهن، أو بدت كالجلد الأحمر، والمراد أنها تذوب كما يذوب الزيت، وتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها. فبأي نعم الله تكذّبان أيها الإنس والجن؟ ففي الخبر بذلك رهبة ورعب.
ويوم تنشق السماء، لا يسأل أحد من الإنس ولا من الجن عن ذنبه، لأنهم يعرفون بعلامتهم عند خروجهم من قبورهم، ولأن الله تعالى أحصى أعمالهم وحفظها عليهم. والآية تقتضي نفي السؤال. وهناك آيات أخرى تفيد إثبات السؤال مثل: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر: 15/ 92- 93] . قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن السؤال متى أثبت فهو بمعنى التقرير والتوبيخ، ومتى نفي فهو بمعنى الاستخبار المحض والاستعلام، لأن الله تبارك وتعالى عليم بكل شيء.
فبأي نعم الله تكذبان أيها الإنس والجن؟ مما أنعم الله على عباده المؤمنين في هذا اليوم. وسبب عدم السؤال أنه يعرف الكفار (المجرمون) والفجار يوم خروجهم من