الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه، بعد قدرتهم عليه، ولا يستطيع أحد أن يسجد، لصيرورة ظهره كتلة واحدة أو طبقة واحدة. وقوله تعالى: وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ يريد في دار الدنيا، وهم سالمون مما نال عظام صدورهم من الاتصال والعتوّ.
التخويف من قدرة الله تعالى
تخويف للكافرين في القرآن بعد تخويف، لقد خوّفهم الله تعالى بأهوال القيامة وشدائدها، ثم خوّفهم وهدّدهم أيضا بما في قدرته من القهر، ففيه الكفاية بالجزاء لمن يكذب بالقرآن الكريم. ثم أمر الله تعالى نبيّه بالصبر، وترك الضجر في أمر التبليغ خلافا لما فعل يونس عليه السلام. وليس للنّبي أن يأبه بجسد قومه له، بعد أن صبّره وقوى معنوياته، وأن الشرف العظيم له، حين جعل القرآن المنزل عليه عظة للجن والإنس جميعا. وهذا مفاد الآيات الآتية:
[سورة القلم (68) : الآيات 44 الى 52]
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَما هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (52)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» «9» «10» «11» «12» «13» [القلم: 68/ 44- 52] .
هذا وعيد وتهديد من الله تعالى، مفاده: دعني وإياهم، واترك أمر أولئك
(1) اتركني.
(2)
القرآن.
(3)
سنأخذهم تدريجا بالإمهال، ثم عقابهم على غفلة.
(4)
أمهلهم.
(5)
تدبيري قوي محكم شديد.
(6)
فهم من غرامة محملون حملا ثقيلا.
(7)
هو يونس بن متى.
(8)
مملوء غيظا وغما.
(9)
بالأرض الفضاء.
(10)
ملوم.
(11)
اختاره.
(12)
ليجعلونك تزلق.
(13)
القرآن. [.....]
المكذبين بالقرآن الكريم، فإني أنا أكفيك أمرهم، وأعلم كيف أجازيهم، فإنا سنأخذهم بالعذاب على غفلة، بعد سوقهم إليه درجة فدرجة، حتى نوقعهم فيه من حيث لا يعلمون أن ذلك استدراج، لأنهم يظنونه إنعاما، وهم لا يشعرون أن الإنعام استدراج.
والاستدراج: يستعمل في الشرّ، ويراد به: النزول بالشخص درجة درجة إلى حيث تريد، لتوريطه فيه، والمراد: إدناؤهم من العذاب تدريجا بالإمهال وإدامة الصحة، وزيادة النعمة.
أخرج البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته»
ثم قرأ: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:
11/ 102] .
وأمهلهم وأؤخرهم ليزدادوا إثما، ويتورّطوا، فإن تدبيري وكيدي لأهل الكفر قوي شديد، فلا يفوتني شيء لكل من خالف أمري، وكذّب رسلي. وسمي الجزاء كيدا، لكونه في صورة الجرم. فالمراد بالكيد هنا العقوبة: التي تحلّ بالكفار من حيث هي على كيد منهم، فسمّى العقوبة باسم الذنب. و (المتين) القوي الذي له متانة.
ثم أخبر الله تعالى عن إزالة أي مانع يمنع المشركين من قبول الإسلام، فقال: أَمْ تَسْئَلُهُمْ و (أم) هي التي تتضمن الإضراب عن الكلام الأول، لا على جهة الرفض له، لكن على جهة الترك، والإقبال على ما سواه.
والمراد: بل أتطلب يا محمد منهم أجرة على الإرشاد والهداية وتبليغ الرسالة إليهم، فهم من الغرامة المالية مثقلون بأدائها، لشحّهم ببذل المال. الحقيقة أنك أيها النبي تدعو إلى توحيد الله تعالى بلا أجر تأخذه منهم، بل ترجو ثواب ذلك عند الله
تعالى، وهم مع ذلك يكذبونك في دعوتك. وهذا توبيخ للكفار، لأنه لو سألهم أجرا، فأثقلهم عدم ذلك، لكان لهم بعض العذر في إعراضهم وفرارهم.
بل أعندهم علم الغيب يكتبون ما يريدون من الحجج التي يزعمون، ويخاصمونك بما يكتبونه من ذلك؟! وبعد هذا التفنيد لمواقف الكفار وشبهاتهم، أمر الله رسوله بالصبر على أذاهم وعلى تبليغ رسالته، فاصبر يا محمد على قضاء ربّك وحكمه فيك، وفي هؤلاء المشركين، وعلى أذى قومك وتكذيبهم إياك، ولا تكن ضجرا متعجلا مغاضبا مثل يونس عليه السلام، حين ترك قومه، وركب البحر، والتقمه الحوت، ثم ندم على ما فعل، فألقاه الحوت على الشاطئ. أي لا تتصف بصفات يونس من الضجر والمغاضبة، فتبتلى ببلائه.
ولولا أن تداركه من ربّه رحمة ونعمة، بتوفيقه للتوبة وقبولها منه، فتاب الله عليه، لألقي من بطن الحوت على وجه الأرض الخالية من النبات، وهو ملوم بالذنب الذي أذنبه، مطرود من الرحمة والكرامة. فاصطفاه ربّه واختاره للنبوة، وأتم عليه رسالته، حين أعاده لقومه البالغين مائة ألف أو أكثر، فآمنوا جميعا.
ثم حذّر الله تعالى نبيّه من عداوة المشركين، وترك المبالاة بحسدهم، فإنهم، أي الكفار يكادون يجعلونك بأبصارهم تزلق، وتهلك، لما سمعوا القرآن، وقولهم عنك:
إنك مجنون، تنفيرا عنك، وتحييرا في شأنك، والمعنى: أنهم وصفوه بالجنون لأجل القرآن. وما القرآن في الواقع إلا خير وبركة، وموعظة وتذكير للجن والإنس، فلا يتحمله إلا من كان أهلا له من العقلاء. قال الحسن البصري: دواء الإصابة بالعين:
أن يقرأ هذه الآية وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا.. الآية.