الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن النفاق مرض عضال يضرّ بالأمة والمجتمع، كما يضرّ بأهله الذين كانوا أغبياء أو حمقى أو ضعيفي نظر ووعي. ولقد عانى المسلمون في الصدر الأول من هذا المرض وأهله الذين كانوا شوكة للطعن من الخلف، لولا تأييد الله ونصره وإحباط مكائدهم.
الحضّ على خشية الله والصدقات
لا تكفي المقارنة الوصفية أحيانا بين الأشياء والأحوال المتضادّة، مثل وصف جزاء المؤمنين وجزاء الكافرين، لذا كان المولى يتعهد أهل الإيمان بمزيد من التوجيه والنصح والإرشاد والتربية الفاضلة، ليكونوا دائما عنوانا مشرّفا على رسالة الإسلام العظيمة، رسالة الخير والإنقاذ والنجاة للبشرية جمعاء. ومن هذا التوجيه القرآني للمؤمنين: حثّ المؤمنين على ملازمة الخشوع وخشية القلب لمواعظ الله تعالى، وتحذيرهم من التشبه ببعض قساة القلوب الذين قطعوا صلتهم بأنبيائهم، وأهملوا أوامر دينهم ونواهيه، كما يتبين في هذه الآيات:
[سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 19]
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (19)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» [الحديد: 57/ 16- 19] .
(1) ألم يحن أو يأت وقته.
(2)
تخشى وتخاف وتلين.
(3)
الزمن بينهم وبين أنبيائهم. [.....]
(4)
أصبحت قاسية صلبة.
(5)
خارجون عن حدود دينهم.
(6)
الذين قتلوا في سبيل الله، وتشهد لهم الملائكة بالجنة.
أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه، عن عبد العزيز بن أبي رواد: أن أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم ظهر فيهم المزاح والضحك، فنزلت: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ.. الآية.
في هذه الآية معنى الحضّ والتقريع، قال ابن عباس رضي الله عنهما: عوتب المؤمنون بهذه الآية بعد ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن. والخشوع: اللين والذّلّ لله تعالى، وهو هيئة تظهر في الجوارح (الأعضاء) متى كانت في القلب، فلذلك خصّ الله تعالى القلب بالذكر. والمعنى: ألم يحن الوقت لكي تلين قلوب المؤمنين وترق عند سماع تذكير الله ووحيه؟ أو لأجل ذكر الله وقرآنه، أو لأجل تذكير الله تعالى إياهم وأمره فيهم، فيفهمون المطلوب ويطيعون الآمر والنّاهي وهو الله تعالى.
ولا يتشبهوا بحملة الكتاب الإلهي من قبلهم قبل نزول القرآن، حين طال عليهم الزمان والفجوة بينهم وبين أنبيائهم، فقست قلوبهم بذلك السبب، حتى صاروا لا يتأثرون بالموعظة، ولا بالوعد والوعيد، وبدّلوا كتاب الله الذي بأيديهم، واتّبعوا أهواءهم، وكثير منهم خارجون عن حدود الله وأوامره ونواهيه، فصارت أعمالهم باطلة، وقلوبهم فاسدة.
ثم ضرب الله المثل في تأثير مواعظ القرآن، وهو كما أن الله يحيي الأرض بالنبات والغيث بعد جدبها، قادر على أن يلين القلوب بعد قسوتها، ويهدي الحيارى بعد الضلال، ببراهين القرآن وأدلته، فقد أوضحنا لكم الآيات والحجج، كي تتدبّروها، وتعقلوا ما فيها من المواعظ، وتعملوا بها.
والثواب كبير على الصدقة في سبيل الله، فإن المتصدقين والمتصدقات بأموالهم على ذوي الحاجة والفقر، ودفعوا المال بنيّة خالصة، ابتغاء رضوان الله، يضاعف لهم الثواب، فتكون الحسنة بعشرة أمثالها، إلى سبع مائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ولهم