الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان مصير الكافرين المكذبين؟ أهلكهم الله ودمرهم وصاروا إلى النار، مثل قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم. ثم استثنى الله تعالى المؤمنين بقوله: إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) أي لكن نجى الله عباده المؤمنين الذين اصطفاهم وأخلصهم لطاعته، بتوفيقهم إلى الإيمان والتوحيد، والعمل بأوامر الله سبحانه، ففازوا بجنان الخلد، ونصرهم في الدنيا.
مثّل الله تعالى في هذا المثل لقريش بالأمم التي ضلّت قديما، وجاءها الإنذار الإلهي، وأهلكها الله بعدله. وهو إخبار بأن الله عذّب الضالين في الدنيا، ولهم عذاب شديد آخر في الآخرة.
دعاء نوح عليه السلام
الأنبياء والرسل عليهم السلام في مرصد العناية والرعاية الإلهية، فهم يقومون بتبليغ دعوة الله تعالى لتوحيده وعبادته، والله تعالى يراقب ردود أفعالهم لدى أقوامهم، فإن تعرضوا لسوء، أو وقعوا في محنة مستعصية لا سبيل إلى تذليلها، دعوا ربهم بوحي منه لإنجائهم، وقهر عدوهم، وإهلاك معارضيهم، وهذا منهج واضح في حياة الرسل، وفي طليعتهم نوح عليه السلام أول رسول إلى قومه، وأبو البشر الثاني، فإنه دعا ربه حين يئس من هداية قومه، كما في الآيات الآتية:
[سورة الصافات (37) : الآيات 75 الى 82]
وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (77) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79)
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82)
[الصافات: 37/ 75- 82] .
المعنى: تالله لقد دعانا نوح عليه السلام واستغاث بنا، ودعا على قومه بالهلاك لما أيس منهم، قائلا: وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26)[نوح: 71/ 26] . بعد أن مضى دهر طويل يدعوهم إلى الإيمان بالله تعالى، فكذبوه وآذوه وهموا
بقتله، ولم يؤمن معه إلا قليل، وذلك بعد ألف سنة إلا خمسين، وتضمن نداء نوح أي استغاثته أشياء: منها الدعاء على قومه، وسؤال النجاة، وطلب النصرة، وفي جميعها وقعت الإجابة، فقد أجاب الله دعاءه، وقوله تعالى: فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ يتضمن الإجابة على أكمل ما أراد نوح عليه السلام. وهذه أوجه الإجابة:
1-
نجينا نوحا ومن آمن معه وهم ثمانون من الغم الشديد: وهو الغرق وتكذيب الكفرة.
2-
وجعلنا ذريته وحدهم دون غيرهم هم الباقين على قيد الحياة، وأهلكنا من كفر بدعائه. قال ابن عباس رضي الله عنهما، وقتادة: أهل الأرض كلهم من ذرية نوح، وقال الطبري: العرب: من أولاد سام، والسودان: من أولاد حام، والترك والصّقلب: من آل يافث.
3-
وأبقينا عليه ثناء حسنا فيمن يأتي بعده إلى آخر الدهر.
وقلنا: عليك يا نوح سلام منا في أوساط العالمين من الملائكة وعالمي الإنس والجن، وفي الباقين غابر الدهر، قال الطبري عن هذا السّلام: هذه أمنة لنوح في العالمين: أن يذكره أحد بسوء. وقال ابن عطية: هذا جزاء ما صبر طويلا على أقوال الكفرة الفجرة.
وأسباب هذه النعم التي أسبغها الله تعالى على نوح عليه السلام ثلاثة أشياء:
1-
مجازاته على إحسانه، وهكذا نجزي من أحسن من العباد في طاعة الله عز وجل. وهذا ثناء من الله تعالى على نوح بالإحسان، لصبره على أذى قومه، ومطاولته لهم، وغير ذلك من عبادته وأفعاله الطيبة.
2-
وسبب كون نوح محسنا: هو كونه من عباد الله المؤمنين، وهذا دليل على أن الإيمان بالله تعالى وإطاعته أعظم الدرجات وأشرف المقامات.