الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان والتقوى على التنافس في عمل الآخرة، لأنها درجات يتفاضل فيها السعداء، وكلما كان المؤمن في درجة أعلى، والفردوس أعلى الجنان، كان أو في نعمة، وأكثر غبطة، وهذا ما نجده في الآيات الآتية:
[سورة الحديد (57) : الآيات 20 الى 21]
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَاّ مَتاعُ الْغُرُورِ (20) سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)
«1» «2» «3» «4» «5» [الحديد: 57/ 20- 21] .
هذه آية وعظ وتبيين لأمر الدنيا وضعة منزلتها، والتعريف بحقيقة الآخرة ورفعة مكانتها للمؤمنين العاملين، وشدة عذابها للأشقياء الضّالين.
اعلموا أيها الناس جميعا أن الحياة الدنيا مجرد لعب ليس فيها جدّ يدوم، ولهو يتلهى به ثم يزول، وزينة يتزين بها مؤقتا ثم يذهب، ومفخرة يتفاخر بها، وتكاثر في الأموال والأولاد ثم ينتهي من غير أثر. والحياة الدنيا في هذه الآية: عبارة عن الأشغال والتصرفات والأفكار المختصة بالدنيا، المجردة عن أي عمل صالح للآخرة.
واللعب واللهو شيء واحد، أو إن اللعب: ما لا فائدة فيه، واللهو: ما يشغل الإنسان عما يعنيه. والزينة: التحسين الخارج عن ذات الشيء. والتفاخر: التباهي بالأنساب والأموال وغيرها. والتكاثر: هو الرغبة في الدنيا ومظاهرها وألوانها وعددها، ليعتز بها الكاثر على من دونه.
والدنيا بهذه الأوصاف سبب البعد عن الدين، فهي التي يؤثرها ضعفاء النفوس
(1) مطر.
(2)
الزّراع.
(3)
يتحرك وينمو.
(4)
هشيما متكسّرا من اليبس.
(5)
تمتع الخديعة لمن أقبل عليها ونسي الآخرة.
والعقول على الآخرة، وحبها رأس كل خطيئة، وهي مركب الشيطان، وسبب قسوة القلب، وضعف الذّمة وقلّة التقوى، وكل ما فيها عرض زائل يخدع السّذج والبسطاء، وما هي إلا كمثل مطر، أعجب الزّراع النبات الحاصل به، ثم يجفّ وييبس بعد خضرته، ثم يصير فتاتا هشيما متكسّرا بعد يبسه، تعصف به الرياح.
والكفار هنا: الزّراع، لأنهم يكفرون، أي يسترون البذر في الأرض.
ونظير الآية كثير في القرآن، مثل قوله تعالى: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ.. [يونس: 10/ 24] .
ثم حذّر القرآن من أمر الدنيا، ومن مخاطر ومهالك العذاب في الآخرة، ورغّب في الاستعداد للظفر بالجنة والمغفرة والرضوان، فليس في الآخرة إلا أمران: إما عذاب شديد لأعداء الله والرّسل، وإما مغفرة من الله ورضوان لأوليائه وأهل طاعته. وما الحياة الدنيا إلا مجرد متاع يتمتع به، وخديعة لمن يغتر بها، ولم يعمل لآخرته. وقوله:
مَتاعُ الْغُرُورِ معناه الشيء الذي لا يعظّم الاستمتاع به إلا مغتر.
والآخرة: مجال التّسابق في الخيرات والمبرات، لذا قال الله تعالى: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ.. أي بادروا إلى ما يوجب المغفرة لكم من ربكم من الأعمال الصالحة والإيمان المنجي، وإلى ما يوصل إلى جنة عرضها مثل عرض السماء والأرض معا، وقد عبّر عن المساحة بالعرض، ولم يقصد أن طولها أكثر ولا أقل. وهذه الآية حجة عند جميع العلماء في الندب إلى الطاعات. وقوله: سابِقُوا معناه: كونوا في أول صف المسابقة في الجهاد وغيره من الطاعات والفرائض.
هذه الجنة أعدت وخلقت للذين صدقوا بالله ورسله، وعمل بما فرض الله عليه، واجتنب نهيه. وهذا دليل على أن الجنة مثل النار مخلوقة الآن معدّة لأهلها.