الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة المنافقون
صفات المنافقين
خصّص الله تعالى- بعد تعداد خصال المنافقين في مناسبات قرآنية عديدة- سورة لبيان أوصاف المنافقين هي سورة (المنافقون) المدنية بالإجماع، التي نزلت في غزوة بني المصطلق، بسبب أن عبد الله بن أبيّ بن سلول كان منه في تلك الغزوة أقوال غريبة، وكان له أتباع يقولون قوله، ويتصفون بصفاته، فهم كذبة في حلفهم وشهادتهم في الظاهر، ونحو ذلك مما تقدم قبل الغزوة كالتحريض على ترك الإنفاق أو التصدق على بعض الأصحاب، وهم قوم مغرورون سواء في الغزوة أو بعدها، بدليل ما أظهروه من كراهية وعداء مثل تحدّي المؤمنين بأنهم أذلّة وهم أعزّة، والتهديد والتصميم على إخراج المسلمين من المدينة بعد عودتهم من تلك الغزوة، كما تصوّر هذه السورة ومطلعها:
[سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 6]
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (6)
«1» «2» «3» «4»
(1) نحلف.
(2)
وقاية وسترا.
(3)
ختم عليها فلا ينفذ إليها الخير والإيمان. [.....]
(4)
أخشاب مائلة إلى الجدار.
«1» «2» «3» «4» [المنافقون: 63/ 1- 6] .
فضح الله تعالى بهذه الآيات سرائر المنافقين، فإنهم إذا جاؤوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كابن أبي وأتباعه كذبوا وقالوا: نحلف بأنك رسول الله إلى الناس كافة، وهم في إخبارهم هذا كاذبون، لإخبارهم بضد ما في قلوبهم، والله يعلم بصدق محمد صلى الله عليه وسلم في رسالته، وهو ما تضمنه كلامهم، والله يقسم بأن المنافقين لكاذبون في أيمانهم.
وقوله: يَشْهَدُ ونحوها من أفعال اليقين والعلم بمنزلة القسم.
إنهم جعلوا أيمانهم الكاذبة وقاية وسترا لحماية أنفسهم من القتل والأسر، وأموالهم من الأخذ، كما يفعل بالأعداء المقاتلين، فاغتر بهم من يجهلهم، وظنوا أنهم مسلمون، وشككوا غيرهم بحقائق الإيمان والجهاد، ومنعوهم من الإسلام والطاعة، إنهم ساء ما عملوا ويعملون. فهم في هذا أجرموا بجرمين كبيرين: الحلف بالإيمان الكاذبة، والصّد عن الدخول في الإسلام، ومنع الاسهام في الجهاد في سبيل الله، فكانوا أقبح الناس. والمراد: صدّوا غيرهم ممن كانوا يريدون الإيمان بسبب تشكيكهم ودسائسهم المنكرة.
وأسباب هذا الموقف وافتضاح الله لهم وتوبيخهم: أنهم آمنوا نفاقا، ثم كفروا حقيقة، فختم الله على قلوبهم بسبب كفرهم، فلا يدخلها إيمان، ولا تهتدي إلى حق،
(1) يظنون أن كل صوت مزعج واقع بهم.
(2)
لعنهم وطردهم.
(3)
يصرفون عن الحق والإيمان إلى الضلال.
(4)
أمالوها.
ولا ينفذ إليها خير، فأصبحوا لا يفهمون ما فيه رشدهم وصلاحهم، ولا يدركون أدلة صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في رسالته.
ثم وبّخهم الله لأنهم كانوا رجالا فصحاء ووجهاء، فكان منظرهم يخدع، فإذا نظرت إليهم أعجبتك هيئاتهم، وإن تكلموا سمع كلامهم، وظنّ السامع أنه حق وصدق، لفصاحتهم، وذلاقة ألسنتهم، كأنهم في الواقع أخشاب جوفاء منخورة مستندة إلى الحيطان، ومجرد كتل بشرية لا تفهم ولا تعلم.
وهم مع جمال هيئاتهم، ومناظرهم في غاية الجبن والضعف، يظنون كل صوت عال أنه واقع بهم، لفراغهم النفسي وترددهم وقلقهم وخوفهم المسيطر عليهم، وانهزامهم الداخلي، فهم الأعداء الألدّاء، فاحذر مؤامراتهم، ولا تطلعهم أيها النّبي على شيء من الأسرار، لأنهم جواسيس للمشركين والكفار، لعنهم الله وطردهم من رحمته، وأهلكهم، كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل والضلال. وكلمة (قاتلهم) :
كلمة ذم وتوبيخ للتعجب، أو إن القتل مستعمل في اللعن والطرد، على سبيل الاستعارة التبعية لعلاقة المشابهة، في أن كلّا منهما نهاية الشدائد والعذاب.
وإذا طلب منهم بقيادة زعيمهم عبد الله بن أبي أن يأتوا لرسول الله ليطلب لهم المغفرة من الله، أعرضوا واستكبروا واستهزءوا، ورأيتهم يعرضون إعراضا شديدا، مع إمالة رؤوسهم، ويمنعون عن سبيل الله غيرهم، فلا يتركونهم يؤمنون، وذلك في حال من الاستكبار والأنفة.
أخرج ابن جرير عن قتادة قال: قيل لعبد الله بن أبي: لو أتيت النّبي صلى الله عليه وسلم، فاستغفر لك، فجعل يلوي رأسه، فنزلت فيه: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ.. الآية.
وهذا دليل على إعراضهم عن الاعتذار.
والاستغفار في الواقع لا ينفعهم، فسواء استغفرت لهم أيها الرسول أم لم تستغفر