الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الذاريات
وقوع البعث وحال الكفرة وعذابهم
تابع الحق تبارك وتعالى الكلام عن إثبات البعث والرد على منكريه من المشركين في سورة الذاريات المكية بعد سورة ق، وكلتا السورتين في هذا الموضوع، مع بيان بعض أحوال البعث بين المؤمنين والكافرين في السورة الأولى، والتنبيه على أحداث الأمم السابقة مع أنبيائهم في السورتين، والانتهاء إلى تقرير التوحيد وهدم الشرك، وخطأ موقف الناس من الحياة، وغلبة الطبيعة على المصلحة الحقيقية في المستقبل.
وكان مطلع سورة الذاريات قسما من الرب تعالى على صدق البعث ووجوده، كما في هذه الآيات:
[سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 14]
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (1) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (2) فَالْجارِياتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (4)
إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (6) وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (11) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» «9» «10» [الذاريات: 51/ 1- 14] .
(1) الرياح تذرو التراب وغيره.
(2)
السحب تحمل الأمطار، والوقر: الثقل.
(3)
السفن الجارية.
(4)
الملائكة التي تقسّم أمور العباد والأمطار والأرزاق.
(5)
الجزاء.
(6)
ذات الطرق. [.....]
(7)
يصرف عن القرآن من صرف عن الهداية في علم الله.
(8)
الكذابون.
(9)
مجيء يوم الجزاء.
(10)
يحرقون.
أقسم الله تعالى لتأكيد قضية الإيمان بالبعث: بهذه المخلوقات، وللتنبيه عليها، والتشريف لها، والاعتبار بها، حتى يتوصل الناظر فيها إلى التوحيد، فقال: أقسم لإثبات الحشر بالرياح التي تذرو التراب وغيره وتفرقه، وبالسحب الحاملة الماء الثقيل، وبالسفن الجارية بيسر وسهولة فوق الماء، وبالملائكة التي تقسم الأرزاق والأمطار والآجال بين المخلوقات، بأن الموعود به من الحشر إلى الله تعالى، ووقوع المعاد، صادق واقع، وأن الجزاء بالثواب والعقاب قائم فعلا حتما. والحاجة إلى هذا القسم: الاعلام بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، وجريا مع اعتقاد العرب أن الإيمان الكاذبة تذر الديار بلاقع (خرائب) وتضر صاحبها، فالحلف لزرع الثقة التامة، وبخاصة أنهم يعلمون أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يحلف كاذبا.
والسماء ذات الطرائق والممرات، أو ذات الخلق السوي القوي، إنكم يا جماعة قريش مختلفو الأقوال، مضطربو الكلام، فمرة تقولون في القرآن والرسول: شعر وشاعر، وأحيانا سحر وساحر، وتارة كهانة وكاهن أو مجنون. وإنما يصرف عن هذا القرآن والإيمان به وبرسوله وعن الخير إلى الشر، من صرف في علم الله تعالى.
قبح أو لعن الكذابون أصحاب القول المختلف، المرتابون في وعد الله ووعيده، الذين هم في جهالة تغمرهم، وغفلة في الكفر تخيم عليهم، والغمرة: كل ما ستر الشيء وغطّاه.
يسألك المشركون تكذيبا وعنادا واستهزاء قائلين: متى يوم الجزاء؟ فقل لهم: إنه يوم يعذب الكفار ويحرقون في نار جهنم. وقوله: يُفْتَنُونَ بمعنى يحرقون ويعذبون في النار، يقال: فتنت الذهب: أحرقته لتختبره، وقوله يَوْمَ هُمْ منصوب على الظرف من مقدّر، تقديره: هو كائن يوم هم على النار، أو نحو هذا، كما قال الزجاج.
وتقول لهم خزنة النار: ذوقوا عذابكم أو حريقكم، هذا العذاب الذي كنتم
تستعجلون أو تطلبون تعجيله، استهزاء منكم، وظنا أنه غير كائن، واستعجالهم هو قولهم: أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ وغير ذلك من الآيات التي تقتضي استعجالهم على جهة التكذيب منهم.
يفهم من هذه الآيات أن وقوع البعث أمر مقطوع به، ولولا التأكيد عليه، لما أقسم الله بهذه المخلوقات، والقسم عليها بغير بدئها بالحروف الأبجدية هو الظاهرة الشائعة في القرآن لإثبات أصول العقيدة: وهي التوحيد، والنبوة، والبعث، فسورة الصافات مثلا أقسم الله فيها لإثبات توحيد الذات الإلهية، فقال: إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (4)[الصافات: 37/ 4] . وسورة النجم والضحى، أقسم الله فيها على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2)[النجم: 53/ 1- 2] .
وقال: وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3)[الضحى: 93/ 1- 3] .
وبقية السور كان المقسم عليه كما في الذاريات هو البعث والجزاء.
ويلاحظ أيضا أن الله تعالى أقسم بجموع المؤنث السالم في سور خمس، ففي سورة (الصافات) لإثبات الوحدانية أقسم الله بالساكنات، وفي بقية السور، أقسم بالمتحركات لإثبات الحشر، فقال:«والذاريات» «والمرسلات» «والنازعات» «والعاديات» لأن في الحشر جمعا وتفريقا، وهو يناسب الحركة.
وتعجل العرب المشركين العذاب، وإصرارهم على كفرهم: هو الذي جعلهم يسألون استهزاء وشكا في القيامة وعنادا، متى يوم الحساب؟ فكان جواب الخالق:
إنه اليوم الذي تحرقون فيه في نار جهنم، وضم إليه التوبيخ والتهكم بهم قائلا منه أو من طريق الخزنة: ذوقوا عذابكم وجزاء تكذيبكم، ذلك العذاب الذي استعجلتم به في الدنيا.