الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة العنكبوت
اختبار الناس
لا تستغني الحياة عن الامتحان والاختبار، ليعرف المحسن من المسيء، والعامل والمقصر أو غير العامل، والمستقيم والفاجر، وهكذا حياة البشر أمام الله عز وجل، لا بدّ لهم من الاختبار، ليتميز المؤمنون الصادقون والكاذبون، ويعرف المجاهدون والمتقاعسون، فيجازى المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. وهذا ما افتتحت به أوائل سورة العنكبوت المكّية:
[سورة العنكبوت (29) : الآيات 1 الى 7]
بسم الله الرحمن الرحيم
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (4)
مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (7)
«1» «2» «3» [العنكبوت: 29/ 1- 7] .
مطلع السورة بالحروف الأبجدية المقطعة لتنبيه المخاطب لما يأتي بعدها، وإظهار إعجاز القرآن المتكون من هذه الحروف، ومع ذلك لا يستطيع العرب الإتيان بمثله، تحدّيا لهم.
(1) أي لا يختبرون بالشدائد والأحداث.
(2)
أن يعجزونا.
(3)
الوقت المعين للبعث والجزاء.
والمعنى: أظن الناس بعد إيجادهم أنهم متروكون بغير اختبار بمجرد قولهم: آمنّا بالله ورسله، وهم لا يمتحنون بالتكاليف الشرعية كالجهاد في سبيل الله، والهجرة من مكة إلى المدينة، وأداء الفرائض البدنية كالصلاة، والمالية كالزكاة، والتعرّض للمصائب في الأنفس والأموال، ومجاهدة أهواء النفس والشيطان، بالامتناع عن المعاصي والموبقات؟! وهذا استفهام إنكاري، معناه أن الله تعالى لا بد من أن يبتلي عباده المؤمنين، للتحقق من مدى صدق إيمانهم وقوة يقينهم. قال مجاهد وغيره: نزلت هذه الآية مؤنسة ومعلمة أن هذه السيرة هي سيرة الله تبارك وتعالى في عباده، اختبارا للمؤمنين وقتئذ- وفي كل وقت- ليعلم الله الصادق ويرى ثواب الله تعالى له، ويعلم الكاذب ويرى عقابه إياه. وهذه الآية وإن نزلت لهذا السبب، فهي بمعناها باقية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، موجود حكمها بقية الدهر.
وسببها الخاص إيناس المؤمنين الأولين الذين تعرّضوا لإيذاء كفار قريش وتعذيبهم على الإسلام، فكانوا يتضايقون بذلك. لكنهم في هذا مطالبون بالصبر كمن أوذي ممن قبلهم.
وهذا ما أبانته الآية الآتية، فتالله لقد امتحنا واختبرنا المؤمنين السابقين، بل والأنبياء المتقدمين بألوان الأذى والشدة والضّرر، ليعلم الله علم ظهور وانكشاف، بأن يظهر الله علمه فيهم، ويوجد ما علمه أزلا، لا علما يسبقه جهل، لأن الله عالم بكل شيء في الماضي والحاضر والمستقبل، ليعلم الذين وجد منهم الصدق، والقائمين على الكذب. والتعبير بقوله: الَّذِينَ صَدَقُوا في حقّ المؤمنين، وبقوله: وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ في حقّ الكافرين، للدلالة في هؤلاء الكفرة على الثبات والدوام. بل أظن الذين يقترفون المعاصي أن يسبقوا عقاب الله تعالى ثم يفوتونه، ويعجزونه؟! بئس الحكم حكمهم، بأن يعصوا ويخالفوا أمر الله، ثم يفلتون من العقاب، إنه حكم خطأ، يناقض مقتضى العقل والشرع والعدل.