الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة القلم (ن)
النّبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الأخلاق
يتميّز الأنبياء عادة بالاتّصاف بأكرم الصفات وأسمى الآداب والأخلاق، لينشروا دين الله ودعوة التوحيد في الأرض، ويتحمّلوا صنوف المواجهة والمعارضة، ويحلموا على الناس ويتوسّعوا فيهم، ونبيّنا صلى الله عليه وسلم هو في قمة الخلق والأدب، وصفوة الناس في مكارم الأخلاق والآداب، لأنه خاتم النّبيين، والرسول إلى الناس كافة وإلى العرب خاصة، وسمة هؤلاء: القسوة والجفاء، والشدة والغلظة، والنجاح في الدعوة إلى الله يتطلب إلانة القلوب القاسية، وإزالة جفاء النفوس، لذا وصف الله تعالى نبيّه محمدا صلى الله عليه وسلم بالخلق العظيم، كما يبدو في الآيات الآتية في مطلع سورة القلم أو ن المكّية على الصحيح:
[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 16]
بسم الله الرحمن الرحيم
ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (1) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)
وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَاّفٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (14)
إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» «9»
(1) غير منقطع.
(2)
المجنون.
(3)
أي تلين وتجامل وتداهن فيلينون. [.....]
(4)
كثير الحلف.
(5)
حقير الرأي.
(6)
طعّان في الناس، يمشي بينهم بالنميمة والسّعاية بالإفساد.
(7)
متجاوز حدود العدل، كثير الإثم.
(8)
غليظ جاف.
(9)
دعي في قريش، ابن زنا.
«1» «2» [القلم: 68/ 1- 16] .
ن أو نون: حرف مقطّع في قول جمهور المفسّرين للتنبيه لخطورة وأهمية ما بعدها، وتنبيه المشركين وتحدّيهم بأن القرآن الذي أعجزكم مكوّن من حروف هجائية هي مادة تكوين لغتكم العربية، التي تنطقون بها، ثم مع هذا عجزتم عن الإتيان بمثله أو مثل سورة منه. ثم أقسم الله تعالى بالقلم وبما يكتب به، أي أقسم بالقلم أداة الكتابة وبالمكتوب به. لست يا محمد بسبب نعمة النّبوة بمجنون، كما يزعمون، وإنما أنت ذو مكانة عالية وعقل رشيد وفكر سديد.
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: كانوا يقولون للنّبي صلى الله عليه وسلم: إنه مجنون، ثم شيطان، فنزلت: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) .
وهو جواب القسم، أي إنك بسبب نعمة ربّك- وهي جملة اعتراضية- لست مجنونا. والجنون: ستر العقل، بمعنى أن كلامه خطأ ككلام المجنون، فنفى الله تعالى ذلك عنه.
ومطلع السورة حيث أقسم بالقلم، وأثره: إشادة بالكتابة التي هي قوام العلوم والمعارف وأمور الدنيا والآخرة، فإن القلم أخو اللسان، وطريق الفطنة، ونعمة عامّة من الله تعالى.
- وإن لك أيها النّبي لثوابا عظيما على ما تحمّلت من مهامّ النّبوة، وذلك الثواب غير مقطوع، وإنما هو مستمر.
وإنك لصاحب الخلق العظيم الذي أمرك الله به في القرآن، لما تحملت من قومك، ما لم يتحمله أمثالك. وجمّاع هذا الخلق يتمثل في قوله الله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199)[الأعراف: 7/ 199] .
(1) خرافات القدماء.
(2)
سنجعل على أنفه سمة أو علامة يتميز بها.
ثم هدّد الله المشركين وتوعّدهم بقوله: فَسَتُبْصِرُ.. أي ستعلم أيها النّبي، وسيعلم يوم القيامة المشركون الذين كذّبوك في الدنيا، من المفتون المجنون الضّال، أي في أي فريق منّا أو منكم النوع المفتون؟ ثم أكّد الله تعالى وعيده ووعده بقوله: إِنَّ رَبَّكَ.. أي إن الله يعلم من هو في الحقيقة الضّال، أنت أم من اتّهمك بالضلال، ومن هو المهتدي من الفريقين، منكم ومنّا؟! والمعنى: بل هم الضّالون، لمعارضتهم ما فيه نفعهم العاجل والآجل.
ثم أوضح الله تعالى ما عليه الكفار من الأخلاق الذميمة، مما يقتضي التشدّد معهم، فداوم أيها النّبي على مخالفة الكفار المكذّبين لرسالتك، وتشدد في ذلك.
لقد تمنّوا لو تلين لهم، فيلينون لك، بأن تركن إلى آلهتهم، ولا تهاجمها، فيقرّون بعبادة إلهك. ثم خصص الله تعالى الوليد بن المغيرة أو غيره بالتحذير من طاعته، لاتّصافه بالصفات المذمومة، والمشهور أنه الوليد، وقيل: إنه الأخنس بن شريق أو أبو جهل أو الأسود بن عبد يغوث. وظاهر اللفظة: عموم من بهذه الصفة، والمخاطبة بهذا المعنى مستمرة باقي الزمان، لا سيما لولاة الأمور. وهذه الصفات:
- إياك أيها النبي إطاعة كل شخص كثير الحلف بالباطل، حقير الرأي والفكر.
وهو أيضا عيّاب طعّان، يذكر الناس بالشرّ في وجوههم، ويمشي بالنميمة والسّعاية بالفساد بين الناس. روى الجماعة إلا ابن ماجه عن حذيفة:«لا يدخل الجنّة قتّات» أي نمام.
- وهو منّاع للخير، أي بخيل، يمنع الخير عن الناس من الإيمان والعمل الصالح.
ظالم متجاوز الحق وحدود الله من أمر ونهي، كثير الآثام والذنوب. كان للوليد بن المغيرة عشرة بنين، وكان يقول لهم ولأمثالهم: لئن تبع دين محمد منكم أحد، لا أنفعه بشيء أبدا، فمنعهم الإسلام وهو الخير الذي منعهم إياه.