الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفائقة، وأثبت لهم النبوة من خلال المواقف المشهودة والمعجزات المؤيد بها النبي، ورد ردا مفحما على إنكار البعث بأن القادر على ابتداء الخلق قادر على الإعادة، والإعادة أهون عليه، أي في تقدير الإنسان، وهما أي البدء والإعادة سواء بالنسبة لله عز وجل، وهذه آي تحكي باطل المشركين في إنكار البعث، قال الله تعالى:
[سورة السجده (32) : الآيات 10 الى 14]
وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)
[السجدة: 32/ 10- 14] .
لقد استبعد المشركون الوثنيون المعاد بعقولهم البسيطة، وقالوا: أإذا متنا وصارت أجسادنا ترابا مفتتا ذاهبا في الأرض، أيمكن أن نعود خلقا جديدا بعد تلك الحال؟! وهذا منهم قياس لقدرة الله تعالى الخارقة على قدرة الإنسان المحدودة العاجزة. بل إنهم في الواقع جاحدون لقاء ربهم يوم القيامة للحساب والجزاء.
فرد الله تعالى عليهم بقوله: قل أيها النبي للمشركين: إن ملك الموت عزرائيل الموكّل بقبض الأرواح يقبض أرواحكم في الوقت المحدد لانتهاء الأجل، ثم في نهاية الدنيا بعد الموت تعودون أحياء إلى ربكم، كما كنتم قبل الوفاة، وذلك في يوم المعاد.
ثم أخبر الله تعالى عن حال المشركين في يوم البعث والحساب، بأسلوب فيه تعجيب لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمته من حال الكفرة ومما حلّ بهم، فلو تشاهد أيها النبي حين يقوم المشركون بين يدي ربهم، خافضي رؤوسهم من شدة الحياء والخزي والعار، لرأيت أمرا عجبا. وجواب (لو) محذوف، لأن حذفه أهول،
إذ يترك الإنسان فيه مع أقصى تخيله. والمجرمون: هم الكافرون، بدليل قولهم: إِنَّا مُوقِنُونَ أي إنهم كانوا في الدنيا غير موقنين، وتنكيس الرؤوس: هو من الهول والذل والهم بحلول العذاب. وتراهم يقولون: ربنا نحن الآن نسمع قولك، ونطيع أمرك، لقد أبصرنا الحشر، ونسمع تصديقك للرسل، فارجعنا إلى دار الدنيا، نعمل فيها ما يرضيك من صالح الاعتقاد والقول والعمل، وقولهم: أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا أي ما كنا نخبر به في الدنيا، فكنا مكذبين به.
ثم أخبر الله تعالى عن نفسه أنه لو شاء لهدى الناس أجمعين، بأن يخترع الإيمان في قلوبهم، ويلطف بهم لطفا يؤمنون به، ولكن ثبت قول الله وقضاؤه، وسبق منه الاعلام أنه لا بد من ملء جهنم من الجن والإنس أجمعين، ولكنهم اختاروا في الدنيا الكفر والضلال، وسوء الاعتقاد والعمل.
لذا يقال لهم على سبيل التقريع والتوبيخ: ذوقوا هذا العذاب بسبب تكذيبكم بيوم القيامة، واستبعادكم وقوعه، وتناسيكم له، والآن نعاملكم معاملة المنسيين، وإن كان الله تعالى لا ينسى شيئا، وهذا من قبيل المشاكلة لأفعالهم، مثل قوله تعالى:
نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر: 59/ 19] وقوله سبحانه: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ [التوبة: 9/ 67] .
ويقال لهم أيضا على سبيل التبكيت والتأكيد: ذوقوا عذاب النار الدائم الذي تخلدون فيه بسبب كفركم وتكذيبكم وسوء أعمالكم، وقوله: بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي بتكسبكم الآثام، وارتكابكم المعاصي.
إن هذه الإنذارات والأوصاف الرهيبة تستوجب من العقلاء الحذر الشديد قبل الوقوع في مواقعها أو محطاتها، وقبل التعرض لألوان التوبيخ والتقريع بسبب سوء الاعتقاد والعمل في الدنيا. والسعيد: من اتعظ بغيره، والشقي: من حرم الإفادة من