الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن حظي بالجنة والمغفرة فذلك من فضل الله ورحمته، يؤتيه من يريد من عباده، والله صاحب الفضل العميم الواسع، ورحمته سبقت غضبه.
ألا إن الجنة غالية الثمن، وثمنها سهل بسيط وهو الإيمان والعمل الصالح والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، فتلك غراسها الطيبة.
المصيبة والقدر ونظام الحياة
الإسلام دين إيجابي وتنظيمي في آن واحد، وإيجابيته ظاهرة في العقيدة، خلافا لتصوّر الجهلة والعوام السّذّج، فإن من آمن بالقدر لا يعني اتّكاله على المقدّر، لأنه يجهل ذلك، وإنما يكون إيمانه بالقدر مبعث الإقدام والجرأة والشجاعة، فلا يهاب الموت إذا قاتل العدو، لأن الموت لا يتقدم ولا يتأخر، وأن الإقدام لا يقتل، وإذا أنفق في سبيل الله، فلا يخشى الفقر، لأنه يوقن بأن الرازق هو الله، وأن الجود أو السخاء لا يفقر. والحياة منظمة بقانون إلهي شامل مبني على العلم والوعي والتخطيط، وإعداد القوة، والعدل في الحكم، ومجاهدة النفس من أجل صلاح النفس والمجتمع، وجهاد العدو الخارجي الذي لا يفهم بغير القوة. وهذه آيات تدلّ على الإيجابية واحترام نظام الحياة:
[سورة الحديد (57) : الآيات 22 الى 25]
ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)
«1» «2» «3» «4» «5»
(1) المصيبة لغة: كل ما يصيب الإنسان من خير أو شر، وفي العرف هي الشّر.
(2)
نخلقها.
(3)
تحزنوا.
(4)
متكبّر، مباه بماله أو جاهه.
(5)
بالحجج الواضحات والبراهين والمعجزات.
«1» «2» [الحديد: 57/ 22- 25] .
لا توجد مصيبة من خير أو شر في الدنيا، سواء في الأرض كالقحط والجدب، أو الغلاء وغير ذلك، أم في الأنفس كالأمراض والموت والفقر، وذهاب الأولاد وغير ذلك، إلا وهي مسطرة أو مدونة في اللوح المحفوظ، من قبل إيجاد الخليقة، إن 7 ثباتها في اللوح المحفوظ مع كثرتها والعلم بها قبل وجودها سهل يسير على الله، غير عسير، لأن الله هو الخالق، وهو أعلم بما خلق، يعلم ما كان وما سيكون وما لا يكون إلى يوم القيامة. وخصّ الكلام بالمصيبة لأنها أهم على البشر، وهي بعض الحوادث، فدلّ على أن جميع الحوادث خيرها وشرها معلوم عند الله، مدوّن في اللوح المحفوظ قبل وقوعه، أي إن الكتاب السابق أزلي قبل هذه الأشياء كلها، وإن تحصيل هذه الأشياء كلها في كتاب.
أخبرناكم بذلك لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من نعيم في الدنيا، ولا تفرحوا فرح بطر وأشر بما هو آت، فلا تأسوا على ما فاتكم، لأنه لو قدّر شيء لكان، ولا تفرحوا بما جاءكم أو أعطاكم، فذلك كله من قدر الله ورزقه لكم، إن الله يعاقب كل مختال في نفسه، أي متكبّر، فخور على غيره، مباه بماله أو جاهه.
والمختال غالبا يكون بخيلا، لذا ذكر الله خصال البخلاء، فهؤلاء البخلاء الفخورون: هم الذين يبخلون عادة بأموالهم وإيمانهم وغير ذلك، فلا يؤدون حقّ الله فيها، ولا يواسون فقيرا، بل إنهم يطلبون من غيرهم إمساك المال، ويرغّبون الناس بالبخل بما يملكون، حتى يجعلوا لهم أشباها وأمثالا، ومن يعرض عن
(1) الكتاب: ما أنزل الله من تشريع. والميزان: العدل. [.....]
(2)
الحق والتعادل.
الإنفاق وعن أمر الله وطاعته، فإن الله غني عنه، محمود الذات في السماء والأرض عند خلقه، لا يضرّه ذلك، ولا يضرّ البخيل إلا نفسه.
إعراب: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ على مذهب الأخفش: صفة لكلمة كل في قوله: كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هم الذين يبخلون، أو مبتدأ وخبره محذوف معناه الوعيد والذّم، وحذفه للإبهام.
ثم أوضح الله تعالى الغرض من بعثة الرّسل وهو تنظيم شؤون الحياة، فقال:
لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ.. أي تالله لقد أرسلنا رسلنا الملائكة إلى الأنبياء بالوحي، وبعثنا الأنبياء بالمعجزات البيّنة والحجج الواضحات، وأنزلنا معهم الكتاب، أي جنس الكتاب الشامل لكل كتاب سماوي كالتوراة والزبور والإنجيل والقرآن، وأنزلنا معهم الميزان، أي العدل في الأحكام، أي أمرناهم به، ليتبع الناس ما أمروا به من الحق والعدل، وتقوم حياتهم عليه، فيتعاملوا بينهم بالإنصاف في جميع أمورهم الدينية والدنيوية.
وخلقنا الحديد وبقية المعادن، وجعلناه رادعا لمن أبى الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه، ففيه قوة رادعة، وفيه منافع للناس ينتفعون به في كثير. من حاجاتهم ومعايشهم، كأدوات الطعام، ومرافق المنازل وحياة الإقتصاد، وصناعة السلم والحرب وغير ذلك.
وهناك مضمر بعد قوله: وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ تقديره: لينتفع الناس، وذلك مقدمة لما أظهره بعدئذ وهو وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ليدلّ على أن هذا هو المقصود.
إنما شرع الله ذلك ليعلم علم مشاهدة ووجود من ينصر دينه ورسله بإخلاص، باستعمال الحديد في أسلحة الجهاد ومقاومة الأعداء، إن الله قوي قادر، عزيز قاهر غالب، يستطيع دفع عدوان الظالمين، وينصر رسله والمؤمنين من غير حاجة إليهم.