الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دلائل القدرة الإلهية
-
1- الخلق والبعث والعلم الشامل
ناقش القرآن الكريم المشركين في ازدواجية عقيدتهم وفي حقيقة تدينهم، إنهم يقرّون بوجود الله تعالى، ويتضرعون إليه وحده وقت الشدة، ثم يعودون إلى كفرهم بعد النجاة، ويلازمون نسبة الشريك إلى الله، علما بأن كل شريك عاجز خاسر، والله تعالى هو القادر القاهر المنجي، الخالق لكل شيء، والباعث الأموات من القبور، والتام العلم بكل الموجودات، ولا تحصر معلومات الله ولا تنفد، ويطلع الله يوم القيامة كل إنسان بما قدم وأخر، قال الله تعالى مبينا أدلة قدرته الفائقة:
[سورة لقمان (31) : الآيات 25 الى 28]
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28)
«1» [لقمان:
31/ 25- 28] .
الدليل الأول على قدرة الله تعالى: هو الخلق والإيجاد المبتدأ من غير مثال سبق، وهذا يعترف به المشركون، فلئن سألتهم: من الذي خلق السماوات والأرض؟
لأجابوا بأنه هو الله الخالق، فهو في أعماق نفوسهم معترفون بأن الله خالق السماوات والأرض، فقل أيها النبي إذن: الحمد لله على اعترافكم، وعلى ظهور الحجة عليكم، ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أنه لا يصح لأحد أن يعبد غير الله،
(1) أي لو سألت المشركين.
وأن يتنبه إلى حقيقة المعبود. وعبر بقوله: بَلْ أَكْثَرُهُمْ للإضراب عن مقدّر، تقديره:
ليست دعواهم بحق، ونحو هذا. وأكثرهم مشرك، لا كلهم، لأن منهم من بادر إلى توحيد الله تعالى والإقرار بذلك، كزيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وبعضهم أيضا معدّ أن يسلم.
ثم أخبر الله تعالى على جهة الحكم والفصل المبرم بأن الله عز وجل له ملك السماوات والأرض وما فيهما، ملكا وخلقا وعبيدا وتصرفا، وليس ذلك لأحد سواه، ولا يستحق العبادة غيره، لأنه الغني عما سواه، وكل شيء مفتقر إليه، وهو المحمود في الأمور كلها، بذاته وصفاته. والمراد: وأقوال هؤلاء لا معنى لها ولا حقيقة، لأن المعبود بحق: هو الذي لا حاجة به في وجوده وكماله إلى شيء آخر.
ومن صفات الله تعالى: سعة علمه وأنه لا نفاد ولا حدود لمعلوماته فكلمات الله: المعلومات، فلو أن جميع أشجار الأرض جعلت أقلاما، وجعل البحر مدادا، أي حبرا، ومدّ البحر بسبعة أبحر معه، على سبيل المبالغة والاستقصاء والكثرة لا من أجل الحصر، فكتبت كلمات الله الدالة على عظمته وجلاله، لتكسرت الأقلام، ونفد ماء البحر، إن الله قوي لا يغلب، حكيم في صنعه وأقواله وأفعاله. والغرض من الآية: الاعلام بكثرة كلمات الله تعالى، وهي في نفسها غير متناهية، وإنما قرّب الأمر على أفهام البشر بما يتناهى، لأنه غاية الكثرة في علم البشر.
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن سبب هذه الآية: أن اليهود قالت: يا محمد، كيف عنينا بهذا القول: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 17/ 85] ونحن قد أوتينا التوراة، فيها كلام الله وأحكامه، وعندك أنها تبيان كل شيء؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:«التوراة قليل من كثير» ونزلت هذه الآية: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ..
قال ابن عطية: وهذا هو القول الصحيح.