الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة يس (36) : الآيات 45 الى 54]
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَاّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (46) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَاّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) ما يَنْظُرُونَ إِلَاّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)
فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كانَتْ إِلَاّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)
«1» «2» «3» «4» [يس: 36/ 45- 54] .
المشركون في غي وضلال، لا يكترثون بالماضي وما جنوا فيه من آثام، ولا يقدّرون مخاطر المستقبل الحاصل بعد الدنيا وما فيه من المخاطر، فتراهم إذا قيل لهم:
اتقوا الله، أي احذروا عذاب الأمم التي سبقتكم في الزمن، وعذاب الآخرة التي تحدث بعدئذ، إذا صممتم على الكفر حتى الموت، لعل الله يرحمكم باتقائكم ذلك، ويحميكم من العذاب.
وما يصل إلى علمهم من آية دالة على توحيد الله وتصديق الرسل إلا أعرضوا عنها، ولم يلتفتوا لها، ولم يتأملوا بها، لتعطيل طاقة الفكر والوعي عندهم.
ولا يقتصر الأمر على سوء الاعتقاد، فإنهم قساة القلوب على مخلوقات الله، فإذا طلب من قريش الإنفاق أو التصدق بشيء من الأموال والأرزاق التي أنعم الله بها عليهم، أجابوا المؤمنين بطريق الاستهزاء واللامبالاة قائلين: هؤلاء المحتاجون لو شاء الله لأغناهم ولأطعمهم من رزقه، فهم لا يستحقون النفقة، ونحن نوافق مشيئة الله فيهم، وقوله تعالى: مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ترغيب في الإنفاق، وذم للبخل،
(1) أي ينتظرون.
(2)
أي القبور.
(3)
يخرجون مسرعين.
(4)
مكان نومنا.
وأضافوا قائلين للناصحين لهم: ما أنتم في طلب الإنفاق منا إلا في خطأ واضح، وانحراف عن جادة الهدى والرشاد.
وسبب هذه الآية: أن كفار قريش لما أسلم حواشيهم من الموالي وغيرهم من المستضعفين، قطعوا عنهم نفقاتهم وجميع صلاتهم، فطلب منهم المؤمنون أيام الموادعة أن يصلوهم، وأن ينفقوا عليهم مما رزقهم الله، فقالوا: أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ونسوا واجب التعاطف وتألف الجنس.
وتراهم ينكرون البعث (القيامة) فيقولون للمؤمنين استعجالا له بطريق الهزء والسخرية: متى يأتي هذا الوعد بالبعث الذي وعدتمونا به، وتهددونا به، إن كنتم صادقين في ادعائكم ووعيدكم؟
فأجابهم الله تعالى، إنهم لا ينتظرون لإيجاد القيامة والعذاب إلا نفخة واحدة في الصور، هي النفخة الأولى: نفخة الفزع التي يموت بها جميع المخلوقات، وهم يختصمون فيما في شؤون المال، والاقتصاد، وعقود المعاملات. وفي تلك النفخة السريعة الأثر التي يعقبها الموت فورا، لا يستطيع بعضهم الوصية لبعض بأملاكه وديونه، بل يموتون في أماكنهم، ولا يتمكنون من الرجوع إلى ديارهم التي خرجوا منها.
ثم أخبر الله تعالى عن النفخة الثانية: وهي نفخة البعث والانتشار من القبور، فإذا نفخ في الصور نفخة ثانية للبعث والنشور، فإذا جميع المخلوقات يخرجون من القبور، يسرعون المشي إلى لقاء ربهم للحساب والجزاء.
وإذا وجدوا في ساحة البعث والحساب، قال هؤلاء المبعوثون: يا هلاكنا، من الذي بعثنا من قبورنا بعد موتنا؟ وكانوا لا يعتقدون أنهم يبعثون من قبورهم، وقدّروا أنهم كانوا في قبورهم نياما، ولما جوبهوا بالحقيقة المرّة، والواقع المحفوف