الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موالاة الأعداء
حذّر القرآن المؤمنين من موالاة غيرهم ممن لا يريد بهم إلا السوء أو الشّر، وذلك حفاظا على وحدة الأمة ورعاية مصالحها، وإغلاق المنافذ للنفاذ بين جيوب الصف الإيماني من أجل إفساده وبذر بذور الفتنة والفرقة بين فئاته. وهذا مبدأ أساسي في السياسة الخارجية والداخلية، لا تستغني عنه أمة من الأمم، وكما جاء في كلام الله عز وجل في هذه الآيات:
[سورة المجادلة (58) : الآيات 14 الى 22]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (18)
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (19) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» «9» [المجادلة: 58/ 14- 22] .
(1) وقاية وسترا يتستّر به ويتّقى المحذور ومنه المجن: وهو الترس.
(2)
ذو إهانة، من الهوان.
(3)
استولى عليهم وغلب على أفكارهم.
(4)
أتباعه وأنصاره.
(5)
يعادون ويعطون الحدّ من الأفعال والأقوال.
(6)
غالب قاهر. [.....]
(7)
يصادقون ويوالون.
(8)
أهلهم وقراباتهم.
(9)
بقوة وطمأنينة منه.
الآية الأولى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نزلت في قوم من المنافقين تولوا قوما من اليهود وهم المغضوب عليهم.
ومعناها: أخبرني عن حال هؤلاء المنافقين الذين تولوا اليهود ومالؤوهم في الباطن، ونقلوا إليهم أسرار المؤمنين، فموقفهم يدعو إلى العجب. لذا فإن الله سخط عليهم، وهم، أي المنافقون، في الواقع ليسوا من المؤمنين ولا من اليهود، ويحلفون، يعني المنافقين، بالأيمان الكاذبة، وهم يعلمون بطلان ما حلفوا عليه، وأنه كذب لا حقيقة له.
هيّأ الله لهم العذاب المؤلم الشديد، وهو عذاب الآخرة، على أعمالهم السيئة المنكرة، ومن أهمها موالاة الكافرين، ومعاداة الكافرين، ساء الفعل القبيح فعلهم في الماضي. اتّخذوا أيمانهم (جمع يمين) وقاية وسترا لتغطية نفاقهم، وصون دمائهم، فانخدع بهم بعض الناس، ومنعوا الناس عن الإسلام، بسبب تثبيطهم وتهوين شأن المسلمين، فلهم عذاب مذلّ ذو إهانة في نار جهنم بسبب أيمانهم الكاذبة بالله تعالى.
لن تفيدهم أو تجديهم أموالهم ولا أولادهم شيئا من عذاب الله، وأولئك المتصفون بهذه الصفات هم أهل النار، لا يفارقونها، ويمكثون فيها على الدوام، لا يخرجون منها ولا يموتون فيها.
اذكر لهم أيها النّبي حين يبعثهم الله جميعا من قبورهم أحياء، ويحشرهم يوم القيامة عن آخرهم، فلا يترك أحدا منهم، فيحلفون بالله عز وجل أنهم كانوا على الهدى والاستقامة، كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا، ويظنّون أو يتخيّلون بجهلهم، في الآخرة، أنهم بتلك الأيمان الكاذبة على شيء مما ينفع أو يدفع الضّر وتقبل منهم، كما ظنّوا في الدنيا، ألا إنهم بهذا التّصور هم الكاذبون أشد الكذب فيما يحلفون عليه. نزلت في شأن منافق
قال له النّبي صلى الله عليه وسلم: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فقال:
ذرني آتك بهم، فانطلق، فدعاهم، فحلفوا له ما قالوا وما فعلوا، فأنزل الله: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً..
لقد استولى عليهم الشيطان وغلب على عقولهم فأنساهم ذكر الله، فتركوا أوامر الله والعمل بطاعته، أولئك- والإشارة لبعدهم في الغواية والضلال- جنود الشيطان وأتباعه، ألا إن أعوان الشيطان هم الخاسرون الهالكون، لأنهم باعوا الجنة بالنار، والهدى بالضلال.
ان الذين يعادون الله ورسوله، ويخالفون أوامر الله ونواهيه، هم لا غيرهم في عداد الأذلّين المهانين. وقد قضى الله في الأزل أن الله ورسله هم الغالبون بالحجة وانتشار الإسلام، إن الله قوي على نصر رسله، غالب لأعدائه. وهذا تبشير بنصر المؤمنين على الكافرين.
قال مقاتل: لما فتح الله مكة للمؤمنين والطائف وخيبر وما حولها، قالوا: نرجو أن يظهرنا الله على فارس والروم، فقال عبد الله بن أبي: أتظنّون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها، والله إنهم لأكثر وأشد بطشا من أن تظنّوا فيهم ذلك؟ فنزلت: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي وشأن المؤمنين أنهم لا يوادّون أعداء الله، فلا تجد قوما آمنوا بالله واليوم الآخر يصادقون من عادى الله تعالى ورسوله، حتى ولو كان المعادون من آبائهم وأبنائهم وإخوانهم وعشيرتهم (قرابتهم أو قبيلتهم) التي ينتمون إليها، أي لا يجتمع في قلب واحد إيمان كامل مخلص مع موادّة الكفار، أولئك الذين يتجنّبون موادّة أعداء الله والرسول، ثبّت الله الإيمان الصحيح في قلوبهم، وقوّاهم بنصره وأفرغ الطمأنينة في نفوسهم، ويدخلهم ربهم جنات تجري من تحت قصورها الأنهار، ماكثين فيها على الدوام، وقد قبل الله أعمالهم ورضي عنهم، وفرحوا بما أعطاهم ربّهم، أولئك هم
أنصار الله وجنده الذين يمتثلون أوامره، ويقاتلون أعداءه، وينصرون أولياءه، ألا إن هؤلاء الأنصار هم لا غيرهم الفائزون بالجنان والسعادة الأبدية.
قال الرازي: إن الأكثرين اتفقوا على أن قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً.. نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وإخباره أهل مكة بمسير النّبي صلى الله عليه وسلم إليهم، لما أراد فتح مكة.