الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ
ألا تغتم ولا تهتم وتضايق نفسك أو تهلكها متحسرا عليهم، أو حزنا عليهم، لأنهم لم يؤمنوا برسالتك. والحسرات جمع حسرة: وهي همّ النفس على فوات أمر.
والمطلوب بإيجاز: التأكد من الإيمان بالآخرة. والتحذير من وساوس الشيطان، ومن إغراءات الدنيا، والاستعداد للآخرة والنجاة بالإيمان والعمل الصالح.
الإحتجاج على الكفار في إنكار البعث
إرشادات الحق جل جلاله تحمل كل عاقل على الاستجابة لها، والتفاعل معها، والاقتناع بها، لأنها في الغالب مستمدة من الحس المشاهد أمامه، الملموس لديه، ولا ينصرف أحد عن القناعة بهذه الأدلة والإرشادات إلا بسبب العناد والاستكبار، وتعطيل المواهب والطاقات المودعة عنده. وهذا هو الشأن في الإحتجاج على الكفار في إنكارهم البعث، وهو التأمل بالبلد الميت الذي لا نبت فيه، كيف يخضرّ وينبت بالماء، فتلك حياته، وكذلك إحياء الموتى، أي مثل ذلك ينقلب الميت أو الراكد إلى حياة حركية بإحياء الله، وإعادة الروح لكل إنسان. وهذا ما أرشدت إليه الآيات الآتية:
[سورة فاطر (35) : الآيات 9 الى 11]
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (9) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَاّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَاّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)
«1» «2» [فاطر: 35/ 9- 11] .
(1) النشور: إحياء الموتى من القبور.
(2)
يبور: يهلك ويضيع.
هذان دليلان على إمكان البعث والنشور أو إحياء الموتى من القبور، يحتج بهما الله تعالى على الكفار، الذين أنكروا البعث من القبور، ويدلهم على المثال الموازي تماما.
الدليل الأول- إحياء الأرض بالماء: الله سبحانه وتعالى يرسل الرياح، فتحرك الغيوم حيث يشاء الله، فيقودها إلى بلد ميت لا نبات به، فينزل المطر عليه، فتحيا الأرض بالنبات بعد يبسها، وتصبح مخضرة، تموج بالحركة، وجمال الزرع والشجر، بعد أن كانت تربة هامدة، فكذلك مثله، أي وهذا المثال المعاين أمامكم يكون مثله ويساويه تماما النشور، أي الإحياء من القبور، فكما يحيي الله الأرض بعد موتها، يحيي العباد بعد موتهم وصيرورتهم ترابا، لكنّ أرواحهم باقية عند الله تعالى.
ومن كان يريد العزة بعبادة الأوثان، ومغالبة الله، فلله وحده العزة الكاملة، أي ليست لغيره، ولا تتم إلا له، وهذا المغالب مغلوب، كما فسره مجاهد، وهذا رد على الكفار الذين كانوا يطلبون العزة بعبادة الأوثان والأصنام، وعدم إطاعة الرسل، فإن العزة كلها في الحقيقة هي لله تعالى.
ومن مظاهر عزة الله: أنه يسمع كلام الناس، ويقبل طيب الكلام، كالتوحيد والتمجيد والأذكار، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعاء، وتلاوة القرآن الكريم، والتسابيح والتهاليل، وغير ذلك، ومن أفضل الأذكار: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
وكما أنه تعالى يقبل الكلام الطيب، يرفع العمل الصالح إليه، وهذا أرجح الأقوال، كما ذكر ابن عطية رحمه الله في تفسيره.
وأما الذين يعملون مكائد المكر، وسوء الأعمال في الدنيا، كالتامر على قتل النبي، أو إضعاف المسلمين، ويوهمون غيرهم أنهم في طاعة الله تعالى، فلهم عقاب
بالغ الغاية في الشدة. ومكر أو تدبير هؤلاء المفسدين يفسد ويضيع، ولا ينفذ، لأن الله تعالى يحبط مكائدهم، ويفوّت عليهم ألوان مكرهم.
والدليل الثاني على إمكان البعث: بدء خلق الإنسان، والمراحل التي يمر بها في أطوار خلقه، فالله تعالى ابتدأ خلق الإنسان من تراب، وهو أبونا آدم عليه السلام، ثم جعل تكاثر ذريته ونسله بواسطة سلالة من ماء مهين، حيث صيّر التراب نطفة بواسطة الماء، ثم جعل الناس أصنافا، ذكورا وإناثا، هذا التحوّل من تراب لا حياة فيه إلى خلية حية، إلى إنسان سوي: دليل قاطع آخر على إمكان البعث الذي هو إعادة الحياة مرة أخرى بفعل الله تعالى، والإعادة في مفهوم الناس وتقديرهم أهون من الخلق، أما بالنسبة لله تعالى فهما سواء.
ودليل القدرة الإلهية هذا، يصحبه دليل آخر لإتمام الهندسة أو الصنع الإلهي، وهو كمال العلم، فإن الله تعالى عالم بحمل أي أنثى في العالم، لا يخفى عليه من ذلك شيء، يعلم بدء التخلق، ووقت الوضع ومكانه وكيفيته.
وحال الإنسان وعمره بعد الولادة مختلف، فما يمدّ في عمر إنسان، ولا ينقص من عمر آخر إلا وهو مدوّن معلوم في اللوح المحفوظ، سواء كان ذا عمر طويل أو عمر قصير، وذلك النظام المرتّب، والمتفاوت لكل إنسان، سهل يسير على الله تعالى، لديه علمه جملة وتفصيلا.
ومن المعلوم أن عمر الإنسان محدود، لا يزيد ولا ينقص، وأما ظاهر دلالة الآية على تعمير المعمر ونقص عمر قصير الأجل، فهذا بحسب أحوال الناس وأعرافهم، فإنهم يقولون: فلان قضى عمره، وفلان لم يكمل عمره، والحقيقة: أن لكل واحد عمرا في علم الله لا يزيد ولا ينقص.