الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنكار النبوة وحقارة الدنيا
من افتراءات المشركين وتناقضاتهم في التقليد الأعمى وغيره: أنهم يقلدون في عبادة الأصنام، ولا يقلدون أبا العرب إبراهيم عليه السلام في عقيدة التوحيد، وأنهم يطيعون الشيطان ويتلهون بمتاع الدنيا عن كلمة التوحيد، ويصفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر كذاب، منكرين نبوته، ويدّعون أن الأحق بالنبوة: الزعيم الشريف، والثري الكبير، وصاحب النفوذ. ولكنهم في كل ذلك مخطئون، فإن معايير اختيار النبي ليست كمعايير الدنيا، فاصطفاء النبي يكون بالقيم الثابتة الأدبية والروحانية والمقومات العالية عند الإنسان، والدنيا ومتاعها حقير، فليست دليلا على السمو والتفوق، والآخرة خير وأولى، وصف الله تعالى هذه الأحوال في الآيات الآتية:
[سورة الزخرف (43) : الآيات 26 الى 35]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَاّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29) وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (30)
وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (34) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)
«1» «2» «3» «4» [الزخرف: 43/ 26- 35] .
لقد تبرأ إبراهيم الخليل عليه السلام من تقليد الآباء في الدين، فاذكر أيها الرسول لقومك قريش المقلّدين للآباء: لم لم يقلدوا أباهم إبراهيم الذي تبرأ مما يعبد أبوه
(1) خلقني. [.....]
(2)
مسخرا في العمل وقضاء الحوائج.
(3)
مصاعد أو سلالم.
(4)
زينة مزوقة.
(آزر) وقومه من الأصنام، ودعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، قائلا: لا أعبد إلا الذي فطرني، أي خلقني، فإنه تعالى سيرشدني إلى الحق وإلى صراط مستقيم.
وكانوا يعرفون الله تعالى ويعظمونه، إلا أنهم كانوا يشركون معه أصنامهم، فكأن إبراهيم قال لهم: أنا لا أوافقكم إلا على عبادة الله الفاطر، أي الخالق.
وجعل إبراهيم عليه السلام كلمة التوحيد: وهي عبادة الله وحده، ونبذ عبادة الأوثان هي الكلمة الباقية الدائمة في ذريته، يقتدي به فيها من هداه الله تعالى منهم، ورجاء أن يرجع إليها من أشرك منهم كأهل مكة. والعقب: الذرية وأولاد الأولاد.
لكن هؤلاء القرشيين ممن بقيت الكلمة فيهم، متّعهم الله تعالى بطول العمر وسعة الرزق، هم وآباؤهم، فاغتروا بالمهلة وإطالة العمر وتوافر النعمة، إلى أن جاءهم الحق: وهو القرآن الكريم، والرسول الذي أبان الحق، وأوضح مبدأ التوحيد بالحجة الساطعة.
ثم تمادوا في ضلالهم، فأخبر الله تعالى على سبيل التوبيخ والتقريع بأنهم قالوا عن القرآن: هذا سحر، وأنهم كفروا به، وصفوا القرآن بالسحر لأنه يفرّق بين المرء وولده وزوجه، فيؤمن بعضهم ويبقى الآخر كافرا، فهو في زعمهم كالسحر، ولم يدروا أن المؤمن المفارق بالقرآن يفارق عن بصيرة في الدين، والمفارق بالسحر يفارق عن خلل في الدين.
ثم أخبر الله تعالى عن معيار الوثنيين في اختيار النبي، فقالوا: هلا أنزل هذا القرآن على رجل عظيم من أهل مكة أو الطائف، وهما الوليد بن المغيرة ريحانة قريش، ومسعود بن عروة الثقفي زعيم ثقيف، فكل منهما عظيم المال والجاه.
فرد الله تعالى عليهم بثلاثة أوجه: أولها: أيجوز لهم أن يقسموا رحمة ربك وهي النبوة، فيختاروا لها من يريدون؟ نحن الذين نقسم الأرزاق والحظوظ بين العباد في