الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر بالاستقامة على الدين الواحد
بعد أن أبان الله تعالى مبدأ وحدة الدين الحق، وأسباب البعد عنه، أمر الله نبيه بالدعوة إلى مبدأ التوحيد، ووحدة الرسالات الإلهية، فليس الدين ملكا لأحد، وإنما واضع الدين هو الله جل جلاله، وقد ارتضى لعباده ما اتفقت عليه الرسل الكرام، بدءا من آدم عليه السلام، إلى خاتم النبيين محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، مما يوجب الإيمان بما أنزل الله تعالى من الكتب كلها، لأنها مبشّرات بالخير والسعادة، قائمة على الحق والعدل والميزان، كما قال الله تعالى:
آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة: 2/ 285] .
ودعوة الإسلام على هذا النحو: فيها الخير للبشرية كلها، قال الله تعالى مبينا أصول هذه الدعوة:
[سورة الشورى (42) : الآيات 15 الى 19]
فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)
«1» [الشورى:
42/ 15- 19] .
(1) أي زائلة باطلة.
في الآية الأولى: فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ عشرة أوامر ونواه، كل واحد منها مستقل بذاته، أولها أمران: ادع أيها الرسول إلى مبدأ وحدة الدين المتفق عليه، واستمر على هذه الدعوة، واستقم على عبادة الله، وتبليغ الرسالة، فهي شملت جميع الطاعات وتكاليف النبوة، هذا مع العلم بأن النبي بحسب قوته في تنفيذ أمر الله تعالى مطالب بتمام الاستقامة، وهذا ما دعاه أن
يقول: «شيبتني هود وأخواتها»
لأن فيها فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ «1» [هود: 11/ 112] وأما أمته
فقال لهم النبي بحسب ضعفهم: استقيموا ولن تحصوا. «2»
ثم جاء النهي: وهو لا تتبع أيها الرسول أهواء المشركين فيما افتروه واخترعوه من عبادة الأصنام والأوثان، ووقعوا فيه من شكوك وتحريفات. ثم أمر الله نبيه أن يقول: صدّقت بجميع الكتب المنزلة من السماء التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله، من التوراة والإنجيل والزبور، وصحف إبراهيم وموسى وشيث.
وأمر الله نبيه أن يعلن أيضا بأن يعدل بين الناس مهما اختلفت أديانهم بالحق والعدل، في القضاء والحكم إذا ترافعوا إليه.
وأمره أيضا أن يقول: ليس الله إلها لشعب دون شعب أو قوم دون قوم، كما يعتقد اليهود بأن الإله هو إله بني إسرائيل، فالله المعبود بحق لا إله غيره، هو إله المسلمين وربهم، وإله غيرهم، وخالقهم وخالق الناس جميعا.
وأخبر الله تعالى أن ثواب أعمال المسلمين وعقابهم خاص بهم، لا يتحملها عنهم غيرهم، وكذلك ثواب أعمال غيرهم وعقابها خاص بهم، ويبرأ كل فريق من الآخر
(1) أخرجه الترمذي.
(2)
أخرجه مالك وأحمد وابن ماجه والدارمي عن ثوبان، وقوله:«ولن تحصوا» مأخوذ من قوله تعالى عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ أي لن تطيقوا عده وضبطه.
وأعماله، كما جاء في آية أخرى: قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)[سبأ: 34/ 25] .
ومن مضمون الخبر أو الأمر: لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ أي لا خصومة بين الفريقين، لأن الحق قد ظهر كالشمس، والخبر أو الأمر التاسع والعاشر: أن الله يجمع بين الجميع في المحشر يوم القيامة، فيقضي بينهم بالحق في خلافاتهم، فإليه مصير جميع الخلائق.
ثم أوضح الله تعالى بطلان حجة المجادلين في دين الله، وهم الذين يخاصمون في دين الله بعد استجابة الناس له، ودخولهم فيه، حجتهم زائلة باطلة عند ربهم، وعليهم غضب عظيم من الله لمجادلتهم بالباطل، ولهم عذاب شديد يوم القيامة.
نزلت آية وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ حينما قال المشركون بمكة للمؤمنين: قد دخل الناس في دين الله أفواجا، فاخرجوا من بين أظهرنا، فعلام تقيمون بين أظهرنا؟! ثم رد الله تعالى على المجادلين: بأنه سبحانه هو الذي أنزل جميع الكتب السماوية على الرسل إنزالا ملازما للحق، مشتملا عليه، مقترنا به، وأنزل مبدأ الميزان، أي العدل والتسوية والإنصاف، ليحكم به بين البشر، وسمي العدل ميزانا، لأنه آلة الإنصاف والمعادلة، فليعمل كل واحد بقاعدة العدل، قبل الحساب، وما يعلمك أيها الرسول وكل مخاطب أن مجيء القيامة قريب الحصول، فيحاسب كل امرئ على ما قدّم.
لكن يتعجل المشركون غير المؤمنين بالقيامة بقدومها، استهزاء وعنادا وتكذيبا، وأما المؤمنون فهم خائفون من وقوعها، ويعلمون أنها كائنة لا محالة، وأن وقوعها حق ثابت لا محيد عنه.