الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- إنما ينهاكم الله معشر المؤمنين عن موالاة الذين عادوكم، وهم مشركو قريش المردة وأمثالهم الذين قاتلوكم وأخرجوكم من دياركم، وساعدوا على إخراجكم، أن تتخذوهم أولياء، أي أنصارا وأصدقاء، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم، لأنهم صانعوا من يستحقّ العداوة.
اختبار المهاجرات إلى دار الإسلام
تضمن صلح الحديبية بين النّبي صلى الله عليه وسلم ومشركي مكة على أن يردّ المؤمنون إلى الكفار كل من جاء مسلما من رجل أو امرأة، فنزلت آية اختبار المهاجرات إلى دار الإسلام إثر صلح الحديبية، ونقض الله تعالى من ذلك أمر النساء بهذه الآية، وحكم بأن المهاجرة المؤمنة لا تردّ إلى دار الكفر، بل تبقى عند المسلمين وتستبرأ بحيضة، وتتزوج، ويعطى زوجها الكافر الصداق الذي أنفق، وأمر الله أيضا المؤمنين بطلب صداق من فرّت امرأته من المؤمنين، معاملة بالمثل، كما يتبين في هذه الآيات:
[سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 11]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)
«1» «2» [الممتحنة: 60/ 10- 11] .
أخرج البخاري ومسلم عن المسور ومروان بن الحكم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما
(1) مهورهن، ويطلق الأجر على المهر في اللغة والاصطلاح القرآني.
(2)
أي ما تعتصم به الكافرات من عقد الزواج.
عاهد كفار قريش يوم الحديبية، جاءه نساء من المؤمنات، فأنزل الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ.. إلى قوله: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا، أي صدّقوا بالله ورسوله، إذا جاءكم النساء اللاتي آمنّ مهاجرات «1» من بلاد الكفار، فاختبروهن وجرّبوهن وتعرفوا حقيقة ما عندهن، لتعلموا صدق رغبتهن في الإسلام، واسألوهن عن سبب مجيئهن. وسماهن الله تعالى:
مُؤْمِناتٍ قبل التّيقن من ذلك، عملا بظاهر أمرهن. وقوله: فَامْتَحِنُوهُنَّ أمر بمعنى الوجوب، وقيل: بمعنى النّدب أو الاستحباب.
قال ابن عباس وآخرون في كيفية هذا الامتحان: كان بأن تستحلف المرأة أنها ما هاجرت لبغض زوجها، ولا بجريرة جرّتها، ولا بسبب من أعراض الدنيا، سوى حب الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم والدار الآخرة.
ثم حضّ الله تعالى على امتحانهن، واحتمال الاسترابة ببعضهن، فقال: اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ.. أي إن الامتحان في الظاهر فقط، أما في الحقيقة والواقع فلا يعلم حقيقة حالهن إلا الله تعالى، والله أمركم بالظواهر، وهو يتولى السّرائر، فإن ترجح لكم أو غلب على ظنّكم أنهنّ مؤمنات، فلا تردوهنّ إلى أزواجهن المشركين. وسمي الظنّ علما: من باب الظّن الغالب.
والعلّة في ألا يردّ النساء إلى الكفار: هي امتناع الوطء وحرمته، فليست المؤمنات حلالا للكفار، وإسلام المرأة يوجب فرقتها من زوجها، وليس الكفار حلالا للمؤمنات. وهذه الآية هي التي حرّمت المسلمات على المشركين الوثنيين. وقد كان جائزا في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة، كزواج أبي العاص بن الربيع بزينب ابنة النّبي صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم سنة ثمان.
(1) منصوب على الحال.
وأحكام تسوية زواج المسلمة المهاجرة: هي ما يأتي:
- ادفعوا إلى أزواج المهاجرات من المشركين ما غرموه عليهن من المهور.
- ولا إثم ولا حرج عليكم أيها المؤمنون في الزواج بالمؤمنات المهاجرات إذا أعطيتموهن مهورهن، وبشرط انقضاء عدتهن، وكون الزواج من الولي وغير ذلك.
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن البصري في قوله: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ نزلت في أم الحكم بنت أبي سفيان ارتدت، فتزوجها رجل ثقفي، ولم ترتد امرأة من قريش غيرها.
- ويحرم عليكم أيها المؤمنون بعد نزول هذه الآية الزواج بالمشركات الكوافر، واستمرار العصمة الزوجية معهن، فمن كانت امرأته مشركة وثنية، فليست له بامرأة، لانقطاع عصمتها باختلاف الدين.
- وطالبوا بمهور نسائكم إذا ارتددن، وليطالبوا بمهور نسائهم اللاتي هاجرن إلى المسلمين. ذلكم المذكور من إرجاع المهور من الجانبين، واستثناء النساء من حكم صلح الحديبية: هو حكم الله وشرعه يحكم به بين عباده، والله واسع العلم، بالغ الحكمة في أقواله وأفعاله، فلا يشرع إلا ما تقتضيه الحكمة.
- وإن ذهبت امرأة من أزواجكم إلى الكفار، بأن ارتدت المسلمة ورجعت إلى دار الحرب، فعاقبتم، أي فصرتم منهم إلى الحال التي صاروا إليها منكم، وذلك بأن يأتيكم شيء من أزواجهن، فأعطوا الذين ذهبت أزواجهن مثل ما أنفقوا من الفيء والغنيمة، إذا لم يردّ المشركون على زوجها مهرها، واحذروا أن تتعرضوا لشيء مما يوجب العقوبة عليكم، وخافوا الله تعالى بتنفيذ حكمه وشرعه، أي إن علة إيجاب التقوى: هي الإيمان بالله تعالى، والتصديق بوحدانيته وصفاته وعقابه وإنعامه.
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ الآية، قال