الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الممتحنة
حكم موالاة الأعداء
في مواطن كثيرة من آي القرآن الكريم حذّر الله تعالى من موالاة الكفار، ونهى عن اتّخاذهم أولياء، أي أصدقاء، لوجود التهمة وانعدام الثقة بنصحهم وقولهم، ومن أجل الحفاظ على المصالح العامة العليا للأمة، التي إن روعيت تحقق النصر والأمن والمصلحة، وإن ألغيت أو عبث بها بعض الناس، وقعت الأمة في الهزائم المتوالية، والهزّات، والمحن المتلاحقة، وسورة الممتحنة كلها نزلت- كما أخرج أصحاب الكتب السّتة- في شأن حاطب بن أبي بلتعة الذي أخبر قريشا بكتاب مع امرأة بعزم النّبي صلى الله عليه وسلم على حربهم، ونزل جبريل بالخبر، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّا وعمارا وعمرا أو الزبير والمقداد بن الأسود (أي ثلاثا) والظاهر المشهور أنهم علي والزبير والمقداد، لتخليص الكتاب من المرأة، ففعلوا، وقد أراد حاطب الذي شهد بدرا مصانعة قريش ليحموا له أهله وأمواله، ولم ينافق أو يكفر، فأنزل الله هذه السورة (الممتحنة) التي هي مدنية بالإجماع ومطلعها:
[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)
«1» «2» «3»
(1) العدو: اسم يقع للجمع والمفرد، والمراد به هاهنا كفار قريش، وينطبق على سائر الكفار.
(2)
أصدقاء توالونهم السّر.
(3)
تفضون إليهم بالمودّة، أي النصيحة هنا.
«1» [الممتحنة: 60/ 1- 3] .
يا أيها المصدّقون بالله تعالى ورسوله، لا تتخذوا عدوي وعدوّكم، وهم هنا كفار قريش، أنصارا وأعوانا وأصدقاء لكم، تنقلون إليهم أخبار نبيكم والمؤمنين، بسبب المودة التي بينكم وبينهم. وهذا نهي صريح عن موالاة الكفار بأي وجه من الوجوه.
وسبب النّهي: أنهم كفروا بالله ورسوله، وبما جاءكم من الحق وهو القرآن وهداية الله، وأخرجوا الرسول والمؤمنين من مكة، من أجل إيمانهم بالله تعالى، وعبادتهم إياه، وذلك للدواعي الآتية المتعلقة بكم:
- لا تتخذوهم أولياء إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيل الله وطلب مرضاته.
- وتنقلون إليهم الأخبار، وتسرّون إليهم بمودّتكم لهم، وأنا الله العالم بالسرائر والضمائر والظواهر، وبكل ما تخفون وما تعلنون.
- ومن يوال الأعداء منكم، فقد انحرف وأخطأ طريق الحق والصواب، وحاد عن قصد السبيل التي توصل إلى الجنة والرضوان الإلهي.
وكذلك لأسباب ثلاثة منهم تمنع موالاتهم، وتدلّ على عداوتهم وحقدهم وكراهيتهم:
- إن يلقوكم يظهروا لكم ما في قلوبهم من العداوة والبغضاء، ويكونوا حربا عليكم.
(1) إن يظفروا بكم.
- ويمدّوا إليكم أيديهم بالضرب والأذى والقتل وغير ذلك من صنوف الاعتداء، وينالوكم بألسنتهم وكلماتهم سبّا وقذفا وشتما وبكل إساءة.
- ويتمنّوا ارتدادكم وكفركم بربّكم ورجوعكم إلى الكفر، فهم يحرصون على ألا تنالوا خيرا، فعداوتهم لكم كامنة وظاهرة، فكيف توالون مثل هؤلاء الذين يبتدءونكم بالعداوة والسوء؟! ورابطة الدين والإيمان أنفع لكم من رابطة القرابة والموالاة، فلن تفيدكم يوم القيامة أقاربكم وأولادكم، حتى توالوا الكفار لأجلهم، كما وقع في قصة حاطب ابن أبي بلتعة التي هي سبب نزول هذه الآيات، بل الذي ينفعكم هو ما أمركم الله به من معاداة الكفار، وترك موالاتهم، وتوثيق صلات الإيمان وأخوة الدين، لقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 49/ 10] . ففي الآخرة يفرّق الله بينكم، فيدخل أهل طاعته الجنة، وأهل معصيته النار، والله مطّلع على أعمالكم، ومبصر بها، ومجازيكم عليها إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ.
والقصد من هذه الآية: أن القرابة النّسبية لا تنفع شيئا عند الله تعالى، إن أراد الله بكم سوءا، ولن تفيدكم القرابة إذا أرضيتموها بما يسخط الله، ومن وافق أهله على الكفر، فقد خاب وخسر وضلّ عمله، ولو كان قريبا لنبي أو منسوبا لآل البيت الطاهرين، لقوله تعالى في الأبوين: وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً [لقمان: 31/ 15] . هذا في الدنيا.
وأما في الآخرة فيقول الله تعالى: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101)[المؤمنون: 23/ 101] . ويقول سبحانه: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)[الزّخرف: 43/ 67] .
ألا إن المودّة لا تنفع يوم القيامة إن لم تكن فيما يرضي الله، حبّا ومعاداة، لانفصال كل اتّصال يومئذ، واعتماد كل إنسان على ما قدّم لنفسه.