الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثل قول الله تعالى: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [غافر: 40/ 57] . وقوله عز وجل: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى [يس: 36/ 81] .
ما أكثر الأدلة المقنعة على وجود الله وقدرته، وإثباته إمكان البعث وجمع الناس ليوم القيامة، ولكن التعامي عن الحقائق سمة أهل الضلال وذوي الأهواء، الذين يؤثرون مصالحهم الذاتية القريبة على الباقي الدائم.
النعم الإلهية على داود وسليمان عليهما السلام
أنعم الله تعالى على داود وسليمان عليهما السلام بنعم عظيمة عجيبة، ما تزال موضع إعجاب وإكبار، وتقدير وإعظام، ولم يتكرر بعضها إلى الآن لأحد من البشر، وقد كان ذلك الإنعام محل شكر وحمد من هذين النبيين الكريمين، لأنهما قدوة للناس.
وأهم هذه النعم: ثلاثة على كل من داود وسليمان، وهي تسخير الجبال لداود وتسبيحها معه، ويقابلها تسخير الريح لسليمان، وتسخير الطير لأداء الخدمات لداود ونظيرها تسخير الجن لسليمان، وإلانة الحديد لداود في مقابل إلانة النحاس لسليمان، وهذا ما تبيّنه في الآيات الآتية:
[سورة سبإ (34) : الآيات 10 الى 14]
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَاّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (14)
«1» «2»
(1) أي سبّحي.
(2)
القطر: النحاس المذاب.
«1» «2» [سبأ: 34/ 10- 14] .
منح الله تعالى داود عليه السلام فضلا منه وكرما نعما عظيمة ثلاثا من خلال الجمع له بين النبوة والملك العظيم، أولها: ترجيع الجبال مع ترانيمه وتسابيحه، فكان إذا سبّح سبّحت معه الجبال، ويسمع صداها. وتسخير الطيور له، يفهم لغتها، ويستخدمها في قضاء حاجاته، والانة الحديد له، فيصير في يديه كالعجين، من غير طرق ولا إذابة في النار، ليعمل بها الدروع الواسعة، وينسجها نسجا محكم الحلقات بحيث تكون حلقها منسجمة متوالية غير متفاوتة، فلا هي ضيقة ولا واسعة ولا ثقيلة، وهذا يحقق حاجة داود حيث كان عصره عصر حروب وقتال مع الملك المعاصر له.
وهذا هو المراد بقوله تعالى: وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ أي قدر تقديرا سديدا في نسج الدروع المحكمة، بحيث تجمع بين الخفة والمتانة، والتوسط والاعتدال، فلا تكون الحلقات صغيرة ولا كبيرة، وهذه نعم تستحق الشكر، ومردودها على آل داود، لذا قال الله لهم: وَاعْمَلُوا صالِحاً أي اعملوا يا آل داود عملا صالحا فيما أمدكم الله به من النعم، ثم توعدهم بقوله: إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي لا يخفى علي أمركم، فإني بصير بأعمالكم وأقوالكم، لا يخفى علي شيء منها. وهذا ترغيب في العمل الصالح، وتحذير من التقصير والإهمال.
وكذلك منح الله تعالى نعما ثلاثا أخرى لسليمان بن داود عليهما السلام وهي تسخير الريح، أي تذليلها له، بحيث يكون غدوها مسيرة شهر، ورواحها مسيرة
(1) أي قصاع كالحفر الكبيرة. [.....]
(2)
أي عصاه.
شهر. والغدو: السير وقت الغداة من أول النهار إلى منتصفه، والرواح: الجريان في منتصف النهار إلى الغروب.
ومن يعدل من الجن ويخرج عن طاعة سليمان نذقه بعض العذاب المؤلم. إما في النار بالحريق، وإما في الآخرة بالنار الدائمة، وهذه النعمة كتسخير الجبال لداود.
والنعمة الثانية: وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ أي وأذبنا له عين النحاس، كما ألنا الحديد لداود، فكان يصنع منه ما يشاء، دون نار ولا مطرقة. وسمي عينا، لأنه سال من معدنه سيلان الماء من الينبوع.
والنعمة الثالثة: تسخير الجن لخدماته، فكانوا يعملون بين يديه ما يشاء من محاريب الصلاة، والتماثيل الكبيرة المباحة في شرعه، والجفان، أي القصاع الكبيرة كالحفر الكبيرة، وهي آنية الأكل، وقدور الطبخ الثابتات في أماكنها، فلا تتحرك عن مواضعها لعظمتها وثقلها.
وهذه النعمة ذات مرود نفعي أيضا على آل سليمان، لذا قال الله لهم: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً أي اعملوا يا آل داود بطاعة الله، شكرا له على ما أمدكم به من النعم الدينية والدنيوية، وقليل هو الشاكر من عبادي، والشكر في الحقيقة: ليس مجرد الحمد باللسان، وإنما هو استعمال جميع الحواس والأعضاء المخلوقة للإنسان فيما خلقت له من المنافع المباحة. والشكور: صيغة مبالغة، وهو الّذي يشكر الله في جميع أحواله من الخير والضر.
وأخبر الله تعالى بمناسبة تسخير الجن لسليمان عن اختصاص الله بعلم الغيب، حتى إن الله تعالى لما أمات سليمان، ظل ميتا قائما، متكئا على عصاه، ولم تعلم الجن بموته، وبقوا يعملون أمامه خوفا منه، ولم يدلّهم على موته إلا سوسة العود، أي حيوان الأرض أو الأرضة التي نخرت عصاه من الداخل، فلما سقط بوقوع عصاه،