الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظهر للجن أنهم لم يكونوا يعلمون الغيب، ولو صح ما زعموا أنهم يعلمون الغيب، لعلموا بموته، وهو أمامهم، ولم يبقوا مدة من الزمان ماكثين في العمل الشاق الذي سخرهم فيه لإنجازه، ظانين أنه حي، والجن القائمون بالعمل المهين، أي المذل من الهوان، لم يكونوا مؤمنين، لأن المؤمن لا يعذب بعذاب مهين.
أهل سبأ وسيل العرم
حذر القرآن الكريم من أمرين خطيرين: وهما الإشراك بالله، وجحود النعم الإلهية، وأبان حال الكافرين بأنعم الله كأهل مكة القرشيين وقت نزول الوحي الإلهي، وأنذرهم بالاعتبار والاتعاظ بقصة أهل سبأ، وأوعد كل من يجحد بنعم الله تعالى بعقاب مماثل. وأنزل الله تعالى آيات تبين قصة سبأ وتدمير بيوتهم بسيل العرم.
وسبب النزول: ما
أخرج ابن أبي حاتم: أن فروة بن مسيك الغطفاني رضي الله عنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله، إن سبأ قوم كان لهم في الجاهلية عز، وإني أخشى أن يرتدوا عن الإسلام، أفأقاتلهم؟ فقال: ما أمرت فيهم بشيء بعد، فأنزلت هذه الآية: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ الآيات.
قال الله تعالى:
[سورة سبإ (34) : الآيات 15 الى 21]
لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَاّ الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (18) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَاّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)
«1» «2» «3»
(1) أي مرّ بشع.
(2)
نبات ينتفع بخشبه، غير مثمر.
(3)
نوع معروف من الشجر، له ثمر يؤكل، وهو النبق.
[سبأ: 34/ 15- 21] .
المعنى: لقد كان لقبيلة سبأ في مساكنهم في مأرب باليمن علامة على قدرة الله تعالى بإحياء الأرض بعد موتها، وهي بستانان عن يمين الوادي وشماله، وفيهما جميع الثمار، يقال لهم بلسان الحال أو المقال: كلوا من رزق أو ثمار ربكم في هذين البستانين، واشكروا الله على ما رزقكم من هذه النعم، فهذه بلدة طيبة بطيب أشجارها وثمارها وجمال مناخها، والله المنعم عليكم غفور لذنوب الموحدين التائبين. فأعرضوا عن توحيد الله وعبادته وطاعته وعن شكره على ما أنعم عليهم، ومالوا لعبادة الشمس من دون الله تعالى، فأرسل الله عليهم سيل العرم، أي المياه الكثيرة، فحطمت سد مأرب، فملأ الماء الوادي، وأغرق البساتين، ودمّر البيوت، وأبدلهم الله بتلك البساتين الغناء بساتين لا خير فيها، فيها أشجار ذات ثمر مرّ وهي الأراك، وأثل: وهو الطرفاء، وسدر، أي نبق ذو شوك كثير وثمر قليل. وسبب ذلك العقاب أو التبديل: هو مجازاة كفرهم أو شركهم بالله، وتكذيبهم الحق، ولا يعاقب الله تعالى إلا المغرق في الكفر، الجحود النعم.
وأنعم الله تعالى عليهم بنعم أخرى: هي جعل قرى مرتفعة عامرة بين قراهم وقرى الشام التي بارك الله فيها بالمياه والخيرات، وجعل فيها محطات متعاقبة ذات مسافات متناسبة، وقيل لهم: سيروا في طرقات تلك القرى ليالي وأياما آمنين.
فبطروا النعمة وسئموها، وتمنوا طول الأسفار وتباعد الديار، وقالوا: ربنا اجعل بيننا وبين البلاد التي نسافر إليها مفاوز وصحارى، لركوب الرواحل،