الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنزل الله على رسله وبخاصة القرآن الكريم الكتاب الخالد يجعلهم في عداد الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم، ولن يضروا سوى أنفسهم. وعقابهم شديد وأليم في الدار الآخرة. ومما لا شك فيه أن القادة إلى الضلال أسوأ من الأتباع، فهم الذين يستحقون مضاعفة العذاب وأليم العقاب، ولكن يشاركهم الأتباع في هذا العذاب، لأنهم عطلوا نعمة العقل والوعي، وقلّدوا غيرهم تقليدا أعمى، وكان جديرا بهم أن يتحرروا من ربقة التقليد، فكانت عقائدهم فاسدة، وأعمالهم سيئة كقادتهم، فاستحقوا جميعا التخليد في عذاب جهنم، وبئس المصير.
موقف المشركين المترفين
يصحب الترف والغنى عادة عند المترفين مظاهر التكبر والتفاخر بزينة الدنيا ومباهجها، مغترين بالأموال والثروات والأولاد، فيقعون في تصرفات شاذة، وتكون لهم مواقف مستهجنة من الدين والعقيدة والأخلاق، لانهماكهم في الشهوات والمعاصي، وهذا كله يحتاج لحملة قوية، لتصحيح أحوالهم، وثنيهم عن استكبارهم، وهو حال المشركين الوثنيين الذين جاءهم القرآن الكريم بآيات عديدة وأدلة دامغة، ليعودوا إلى جادة الاستقامة، ويرعووا عن غيهم وضلالهم، من تلك الآيات الشريفة ما يأتي:
[سورة سبإ (34) : الآيات 34 الى 39]
وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَاّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (34) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (36) وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَاّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (38)
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)
«1» [سبأ: 34/ 34- 39] .
نزلت الآية الأولى وما بعدها فيما
أخرجه ابن أبي المنذر وابن أبي حاتم عن أبي رزين قال: «كان رجلان شريكان، خرج أحدهما إلى الشام، وبقي الآخر، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى صاحبه يسأله ما عمل، فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش إلا رذالة الناس «2» ومساكينهم، فترك تجارته، ثم أتى صاحبه، فقال: دلّني عليه، وكان يقرأ الكتب، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إلام تدعو؟ فقال: إلى كذا وكذا، فقال:
أشهد أنك رسول الله، فقال: وما علمك بذلك؟ قال: إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه رذالة الناس ومساكينهم، فنزلت هذه الآية: وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ..
الآية، فأرسل إليه صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أنزل تصديق ما قلت» .
هذه الآيات مؤانسة من الله لنبيه عما يلقاه من إعراض قومه عن دعوته، والمعنى: لم نبعث إلى أهل كل قرية نبيا أو رسولا، يحذّرهم ويخوفهم عقاب الله إلا قال الأغنياء المترفون منهم: إنا مكذّبون بما أرسلتم به من توحيد الله والإيمان به.
واعتمد هؤلاء الأغنياء على الاغترار بالأموال والأولاد، فقالوا لمن دونهم في الثروة: إن الله فضّلنا عليكم بالأموال والأولاد، وأنتم ضعاف فقراء، مما يدل على تميزنا ورضا الله عنا، وما نحن عليه، ولسنا بمتعرضين للعذاب إطلاقا، لأن الله الذي تدعونا إليه منحنا هذه النعم، فهو إذن راض عنا.
فقل أيها الرسول في الرد عليهم: إن الله يمنح الرزق أو المال لمن أحب ولمن لم يحب، فيغني من يشاء، ويفقر من يشاء، ولكن أكثر الناس مثلكم لا يعلمون حقيقة
(1) مغالبين.
(2)
أي فقراؤهم أو المحتاجون منهم.
سنة الله في خلقه، فقياسكم الآخرة على الدنيا خطأ محض، وليس الأمر كما ظننتم، بل بسط الرزق وتقديره أو تقتيره معلّق بالمشيئة الإلهية، في الكافر والمؤمن، وليس ذلك دليلا على رضا الله والقرب منه، لأنه قد يعطي الرزق أملا واستدراجا، ولأن أساس التقرب من الله هو الإيمان والعمل الصحيح فقط.
وليست كثرة أموالكم وأولادكم دليلا على محبة الله لكم ورضاه عنكم، ولا هي مما تقربكم إلى رحمتنا وفضلنا، لأن التقريب إنما هو بالإيمان والعمل الصالح، فالمؤمنون بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، الذين يعملون صالح الأعمال من أداء الفرائض والطاعات هم المقربون لله تعالى.
أما الذين يحاولون الطعن بآياتنا مغالبين زاعمين التفوق، فهم جميعا مقدّمون للعذاب، من غير مهرب ولا إفلات، وبيان حال هؤلاء المؤمنين بعد بيان حال الكافرين وتوضيح جزاء كل فريق، ليظهر تباين المنازل، وتكون المقارنة حافزا على الاستقامة، وترك الضلالة.
ثم أوضح الله تعالى نظامه في الإمداد بالرزق، فأمر نبيه أن يقول: إن ربي وحده هو الذي يوسع الرزق على من يريد من عباده، ويضيّقه على من يريد، على وفق ما يجده من الحكمة السديدة التي لا يدركها سواه.
وليطمئن كل إنسان على رزقه، فكل ما تنفقونه أيها الناس في فعل الخير، فالله يعوضه عليكم بالبديل في الدنيا، أو بالجزاء في الآخرة، والله هو الرازق في الحقيقة، وما مساعي الناس إلا وسائط وأسباب، وهذا تزهيد في الدنيا، وترغيب في عمل الخير، والإنفاق في مرضاة الله تعالى.