الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويهمله ويعرض عنه وقت الرخاء، أما المؤمن فمنهاجه سواء، إن أصابه سراء ونعمة شكر، وإن تعرض لضراء ونقمة صبر، فكان خيرا له في كلا الحالين، مما يدل على ثبات إيمانه، وصلابة يقينه وتمسّكه بالمبدأ الذي لا يحيد عنه. قال الله تعالى واصفا الإنسان:
[سورة الزمر (39) : الآيات 8 الى 9]
وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9)
«1» «2» «3» «4» [الزمر: 39/ 8- 9] .
هذه موازنة واضحة بين الكافر والمؤمن في وقت الرخاء والشدة، أما الكافر فهو متناقض مضطرب، إذا أصابته شدة من مرض أو فقر أو خوف، تضرع إلى ربه، تائبا إليه، مستغيثا به لتفريج كربه، ثم إذا أنعم الله عليه بنعمة أو خير، وصار في حال رخاء، نسي دعاء الله في حال الضرر، أو نسي الله سبحانه وتعالى مطلقا، ورجع إلى كفره، وجعل الشركاء والنظراء أو الأمثال من الأصنام وغيرها شركاء لله، يعبدها، ليؤول أمره إلى الوقوع في دائرة الضلال، وإضلال غيره عن جادة الحق، وطريق الإسلام والتوحيد.
والإنسان في هذه الآية: يراد به الكافر، بدلالة ما وصفه به آخرا من اتخاذ الأنداد لله تعالى، ولقوله سبحانه موبخا ومهددا إياه: تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ. وتخويل النعمة: إما في كشف الضر المذكور، أو يريد أي نعمة كانت، واللفظ يشمل الأمرين.
ثم أمر الله تعالى نبيه أن يقول للكفار- على سبيل التهديد- قولا، يخاطب به
(1) أي تائبا مقاربا مراجعا بصيرته.
(2)
خوله: ملّكه وحكمه فيها ابتداء منه، لا مجازاة.
(3)
الأنداد:
الأمثال التي تضادّ وتزاحم ويعارض بعضها بعضا.
(4)
الأظهر أن الألف في (أمّن) ألف تقرير واستفهام.
واحدا واحدا منهم: تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ أي تلذّذ به، واصنع ما شئت مدة قليلة: وهي مدة عمر ذلك المخاطب، فإنك في النهاية يوم القيامة مصيرك أن تكون من أصحاب النار، أي من سكانها والمخلّدين فيها. وهذا أمر يراد به التهديد.
ثم ذكر الله تعالى على جهة المقارنة حال المؤمن المخلص، والمعنى: أذلك القانت خير أم هذا المذكور الذي يتمتع بكفره قليلا، وهو من أصحاب النار؟ الجواب واضح وهو أن المؤمن خير. والقانت: الطائع الخاشع، المصلي لله في أوقات الليل، ساجدا خاضعا لربه، وفي حال قيامه، يخاف الآخرة، ويرجو رحمة ربه، جامعا بين الخوف والرجاء، وتلك هي حقيقة العبادة الكاملة، التي يفوز بها صاحبها. وهذا دليل على فضل قيام الليل وأنه أفضل من قيام النهار.
وكما لا يستوي القانت المطيع الخاشع، والكافر الجاحد، لا يستوي أهل العلم والجهل، إنما يتعظ بآيات الله ويتدبرها أهل العقول السليمة والأفكار السديدة، لا الجهلاء الأغبياء، الذين لا يقدّرون الأمور حق قدرها، ولا يتأملون في مصير المستقبل.
نزلت هذه الآية أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ إما في عثمان بن عفان أو في عمار بن ياسر، أو ابن مسعود أو سالم مولى أبي حذيفة.
وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن كمال الإنسان محصور في هذين المقصودين:
العلم والعمل، كما قال أبو حيان في البحر المحيط، فكما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، كذلك لا يستوي المطيع والعاصي، والمراد بالعلم هنا: ما أدى إلى معرفة الله تعالى، ونجاة العبد من سخطه.
وهذه المقارنة في معنى مقارنة آتية في السورة نفسها (سورة الزمر) في قول الله تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الزمر: 39/ 22] .