الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة النازعات
إثبات القيامة وأهوالها وتهديد المكذبين بها
أقسم الله تعالى لإثبات البعث ببعض الظواهر الكونية، كالقسم بالرياح المتتابعة، والملائكة في مطلع سورة المرسلات، والحلف بالملائكة التي تنزع الأرواح أو تسبح من السماء، أو تنزل بتدبير بعض الأمور، كما في مطلع سورة النازعات، واشتمل القسم على إيراد بعض الأخبار عن أهوال القيامة، وأعقب ذلك تهديد المكذبين بهذا اليوم في الدنيا والآخرة، كما يبدو واضحا في مطلع سورة النازعات المكية بالاتفاق:
[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 26]
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (1) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (2) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (3) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (4)
فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (8) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (9)
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (10) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (11) قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (12) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (13) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (15) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (16) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19)
فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (20) فَكَذَّبَ وَعَصى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (22) فَحَشَرَ فَنادى (23) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (24)
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (25) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (26)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» «9» «10» «11» «12» «13» «14» «15»
(1) الملائكة التي تنزع أرواح الكفار بشدة، وقيل: الكواكب الجارية.
(2)
الملائكة التي تخرج أرواح المؤمنين برفق، وقيل: الكواكب تخرج من برج إلى آخر.
(3)
الملائكة التي تسبح من السماء (تنزل بسرعة) وقيل: الكواكب تسبح في أفلاكها.
(4)
الملائكة تسبق بالأرواح إلى مستقرها، أو الكواكب يسبق بعضها بعضا. [.....]
(5)
الملائكة تنزل بأمر ربها.
(6)
تتحرك الأرض والجبال.
(7)
تلحق بها السماء والكواكب.
(8)
مضطربة قلقة.
(9)
خاضعة ذليلة.
(10)
في الحياة التي كنا فيها.
(11)
بالية.
(12)
رجعة فيها خسارة.
(13)
صيحة.
(14)
أحياء على وجه الأرض.
(15)
الوادي المطهر طوى بين أيلة ومصر.
«1» «2» «3» «4» «5» [النازعات: 79/ 1- 26] .
أقسم الله تعالى بالملائكة التي تنزع أرواح الكفار بشدة وعنف، وأرواح المؤمنين بسرعة ولطف، وبالملائكة الذين ينزلون من السماء مسرعين، وتسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة، وتدبر الأمر بأن تنزل بالحلال والحرام وتفصيلهما، وقال الحسن البصري: المراد بالكلمات الخمس: النجوم والكواكب في جريها وتنقلها بين الأبراج وسيرها في أفلاكها هادئة، أو مسرعة، أو مدبّرة أمرا بأمر الله تعالى.
وقوله: أَمْراً يراد به الجنس، فيقوم مقام الجمع، وتدبير الأمر في الحقيقة لله تعالى، وإنما أضيف إلى الملائكة لإتيانها به، ولأنها من أسبابه، وجواب القسم محذوف، أي لتبعثن بعد الموت.
حين تتحرك الأرض وتضطرب الجبال، وتتلوها السماء، فتنشق بما فيها من الكواكب وتنتثر.
هناك قلوب تكون يوم القيامة خائفة مضطربة قلقة، لما عاينت من أهوال يوم القيامة، وهي قلوب الكفار، وأبصار أصحابها ذليلة حقيرة، مما عاينت من الأهوال، لموتهم كافرين وإنكارهم البعث، وأقوالهم هي:
يقول المشركون المكيون وأمثالهم: هل نرد إلى حياتنا الأولى، وابتداء أمرنا قبل الموت، فنصير أحياء بعد موتنا. والحافرة: لفظة توقعها العرب على أول أمر رجع
(1) تجاوز الحد.
(2)
تتزكى وتطهر نفسك من الآثام.
(3)
انقلاب العصا حية. [.....]
(4)
جمع.
(5)
من أجل عقوبتهما.
إليه من آخره. وهم يقولون ذلك على جهة الاستخفاف والعجب والتكذيب. والمعنى:
أإنا لمردودون إلى الحياة بعد مفارقتها بالموت؟! وكيف يتصور ردنا إلى الحياة، بعد أن صرنا عظاما بالية متفتتة منخورة؟ إنا إذا رددنا بعد الموت، وصح أن بعثنا يوم القيامة لنخسرن خسارة محققة، لتكذيبنا بمحمد، وهذا قول على سبيل الاستهزاء والتهكم، هذا ما قالوه، فنزلت هذه الآية.
فرد الله عليهم: لا تستبعدوا ذلك، فإنما الأمر يسير، ولا تحسبوا تلك الكرة صعبة على الله، وما هي إلا صيحة واحدة، وهي النفخة الثانية للبعث من القبور، فإذا هم على وجه الأرض أحياء، والساهرة: أرض الآخرة، وهي أرض بيضاء مستوية، ووصفت بذلك لأنهم لا ينامون عليها حينئذ. وقال جماعة: هي أرض أو جبل بالشام، قريبة من بيت المقدس.
ثم واسى الله نبيه وآنسه عن تكذيب قومه، بقصة موسى عليه السلام مع فرعون الجبار: فقال له: ألم يبلغك قصة موسى عليه السلام مع فرعون، حيث ابتعثه الله إليه، وأيده بالمعجزات، حين ناداه ربه ليلا، مكلما إياه، مكلفا له بالنبوة والرسالة في الوادي المبارك المطهر: وهو طوى: وهو الوادي في جبل سيناء. وقال الله تعالى له مبينا مهمّته: اذهب إلى فرعون طاغية مصر، فإنه جاوز الحد في العصيان والتكبر والكفر بالله، حيث ادعى الربوبية، واستعبد قومه.
وأسلوب دعوتك، بأن تقول له: هل لك رغبة في التطهر من الشرك والعيوب؟
وأرشدك إلى معرفة الله وتوحيده وعبادته، وإنما أمره الله بلين القول، ليكون أنجع أو أنجح في دعوته، وهذا دليل على أن هدف البعثة: هداية الناس إلى معرفة الله.
ودليل صدق موسى أمام فرعون: معجزته، وهي أنه أظهر له العلامة الكبرى الدالة على صدق نبوته: وهي انقلاب العصا حية، وتحول اليد بيضاء، ومع ذلك كذّب وخالف، كما في قوله تعالى: فَكَذَّبَ وَعَصى (21)