الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فساد اعتقاد المشركين بالأصنام
شيئان اثنان هما أخطر شيء على النفس الإنسانية وهما الهوى والجهل، وكلاهما يؤديان للإسراف في القول والعمل، والضلال في التّصرفات وسوء السلوك، ويكون الإنسان في النهاية هو الضحية، لأنه لم يتدارك تقصيره، ولم يفعل شيئا لتبديد جهله، ولم يروّض نفسه على التّرفع عن أهوائه، وظلّ أسير التقليد الأعمى، وفريسة الموروثات والأساطير الخرافية. هذا هو شأن عبدة الأصنام، إنهم بدائيون جهلة وثنيون، يسيرون في فلك الأهواء والشهوات، ويسدّون على أنفسهم باب العلم والتّبصر، ومحاولة تصحيح التصوّر والاعتقاد الفاسد، وقد عمل القرآن الكريم على تبصيرهم وتوعيتهم، وتحذيرهم، وإنقاذهم من وهدة الضلال، كما تصوّر هذه الآيات:
[سورة الروم (30) : الآيات 28 الى 29]
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (29)
[الرّوم: 30/ 28- 29] .
أخرج الطبراني عن ابن عباس قال- في بيان سبب نزول الآيتين-: كان يلبّي أهل الشّرك: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، فأنزل الله: هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ.
أبان الله تعالى في الآيتين الكريمتين أمر الأصنام، وأوضح فساد معتقد من يشركها بالله تعالى، بضرب هذا المثل الحسّي الواقعي، ومعناه: جعل الله لكم مثلا أيها المشركون تشهدونه من أنفسكم، وهو: هل ترضون أن يكون لكم شركاء في أموالكم، من عبيدكم يساوونكم في التصرّف فيها، تخافون أن يقاسموكم الأموال؟
إذا كنتم لا ترضون ذلك لأنفسكم، فكيف تجعلون لله شركاء من عبيده ومخلوقاته؟!
وبعبارة أخرى: إنكم أيها الناس إذا كان لكم عبيد تملكونهم، فإنهم لا تشركونهم في أموالكم ولا في أموركم، وليس من شأنكم السماح لهم في إرث أموالكم أو مقاسمتهم إياها في حياتكم، فإذا كان هذا فيكم في علاقتكم بعبيدكم، فكيف تقولون: إن من عبيد الله وملكه شركاء في سلطانه وألوهيته، وتثبتون لربّكم ما لا يليق عندكم بأتباعكم؟ إن مثل هذا التفصيل والبيان لإلزام الحجة، نفصّل الآيات ونوضّحها لقوم يفكّرون في عقولهم تفكيرا سويّا، ويتأمّلون فيما يقال لهم من الأدلّة والبراهين المنطقية.
والواقع أنكم أيها المشركون لا تفكّرون تفكيرا صحيحا، وإنما تسيرون مع الأهواء والأساطير، ليس لكم حجة فيما فعلتم من جعل الأصنام شركاء مع الله تعالى، بل اتّبعتم أهواءكم جهالة وشهوة، وقصدا لتحقيق مصالح دنيوية، وسرتم في عبادة الأوثان، من غير عقل ولا وعي، ولا هدى ولا بصيرة.
وحيث بقيتم مصرّين على الشّرك، ولم تفكّروا في ترك عبادة ما لا يضرّ ولا ينفع، فإنكم تستحقّون التوبيخ والتهديد بالعقاب، ولا أمل في هدايتكم إذا تركتم هداية الله لكم، ومن الذي يرشدكم إلى الحق، ويهديكم إلى الخير والسداد وصحة الاعتقاد، إذا أمعنتم في الضلال، واخترتم الكفر على الإيمان؟ وزادكم الله ضلالا على ضلالكم الذي اخترتموه منهاجا لكم، واعتمدتم على أنفسكم، فإنكم تستحقون العذاب، ولا يكون لكم حينئذ ناصر ينصركم من بأس الله وعذابه، لأن الله أعذر حين أنذركم. وعدله يقتضي التسوية بين أهل الضّلال، كالتسوية بين أهل الإيمان، والتفرقة بين الفريقين.
إن هذه الآية المبدوءة بكلمة بَلِ اتَّبَعَ هو إضراب عما يتضمّنه معنى الآية الأولى، كأن الله يقول: لا حجة ولا معذرة لعبدة الأصنام في نسبتهم الشريك لله،