الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والبعث مستبعدا غير قائم، وأن إعادة الأجساد أحياء ضرب من البعث، وتعاموا عن قدرة الله الخارقة، وأنه قادر على خسف الأرض بهم، أو إسقاط شهب نارية من السماء تحرقهم، وهذا ما ذكرته الآيات الآتية:
[سورة سبإ (34) : الآيات 6 الى 9]
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (8) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)
[سبأ: 34/ 6- 9] .
الإيمان: يقين وتصديق واطمئنان في النفس، وأهل الإيمان والعلم يرون رؤية متيقنة أن الوحي الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حق مؤكد ثابت، وأنه يهدي (أي يرشد) إلى الطريق الأقوم، والحياة السعيدة، ويدركون أن القرآن يرشد المتبعين له إلى طريق الله ذي العزة والقوة والجبروت، وأنه القاهر لكل شيء، والمحمود في جميع أقواله وأفعاله وشرائعه وأقداره. والطريق المستقيم: هو الطريق المعتدل، وأراد طريق الشرع والدين القويم.
والكفر: زيغ، وضلال، وانحراف وخطأ محض، ويقول الكافرون على سبيل الهزء والسخرية والتعجب: هل ندلكم على شخص يسمى محمدا يخبركم بخبر غريب، وهو أنكم إذا بليتم وصرتم ترابا، وتمزقت أجسادكم قطعا متفرقة، تعودون بعدئذ أحياء كما كنتم مرة أخرى؟! إن حال هذا الرجل لا يخلو أن يكون إما كذابا يدّعي الوحي من ربه، وإما أنه مجنون لا يعقل ما يقول، ويتوهم البعث. وهذا قول الكافرين، الذين قالوا:
أَفْتَرى وهو من قول بعضهم لبعض. والمعنى: أافترى، دخلت ألف الاستفهام على ألف الوصل، ثم حذف ألف الوصل، وبقيت مفتوحة غير ممدودة، فكأن بعضهم استفهم بعضا عن محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم أضرب القرآن الكريم عن قولهم، أي قول الذين لا يؤمنون بالآخرة، فكأنه قال: ليس الأمر كما قالوا، بل الذين كفروا ولم يصدقوا بالآخرة: هم في العذاب الدائم في عالم الآخرة، وهم في الدنيا في الضلال البعيد عن الحق. فقوله تعالى: فِي الْعَذابِ يريد: عذاب الآخرة، لأنهم يصيرون إليه، وقوله: فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ يريد، أنهم في غاية البعد عن الصواب والطريق الذي ضل منه، بسبب حيرة صاحبه.
واحتاجوا إلى التنبيه على قدرة الله الخلاقة بخلق السماوات والأرض، والتوبيخ على عدم التفكر والتدبر في ذلك الخلق، فقيل لهم: أفلم ينظروا أمامهم وخلفهم إلى السماء الناطقة بوجود القادر، والأرض الدالة على وجود الصانع؟! فلو نظروا إلى السماء والأرض، لعلموا أن خالقهما قادر على تعجيل العذاب لهم، فإن يرد الله يخسف بهم الأرض، كما خسفها بقارون، أو يسقط عليهم قطعا أو شهبا نارية من السماء تحرقهم، كما أسقطها على أصحاب الأيكة، فلو شاء الله لفعل ذلك بهم.
إن في ذلك، أي في إحاطة السماء بالمرء، ومماسّة الأرض له على كل حال، لعلامة قاطعة، ودلالة واضحة على وجود الله وقدرته لكل عبد فظن رجّاع إلى الله تعالى، لأن من قدر على خلق هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها، وخلق الأرض في انخفاضها وسعتها، قادر على إعادة الأجساد كما كانت. والمنيب: هو الراجع إلى الله عز وجل.
لقد تكررت الآيات القرآنية المرشدة إلى الإيمان بالبعث وتقدير قدرة الله الفائقة،