الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة العنكبوت (29) : الآيات 44 الى 45]
خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44) اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (45)
[العنكبوت: 29/ 44- 45] .
الأسلوب القرآني الرائع يعتمد على ضرب الأمثال والتشبيهات بالأمور الحسّية المشاهدة، كما يعتمد على المقارنة أو الموازنة بين الأشياء ليظهر الحقّ، ويبطل الباطل، وتستقر المعلومات والمعارف في الذهن الإنساني، ومن هذه التشبيهات البليغة كما تقدم: تشبيه عبادة الأصنام ببناء بيوت العناكب، ومن هذه المقارنات اللطيفة: بيان كون خلق السماوات والأرض وما فيهما من كمال وجمال وعظمة، مما يرشد الذهن أو العقل إلى صغر قدر الأوثان وحقارتها، وصغر كل معبود من دون الله تعالى.
لقد أبدع الله السماوات والأرض بالحق، أي بالواجب النّيّر الثابت، لا للعبث واللعب، بل ليدلّ على قدرته العظيمة وسلطانه الشامل، ويثبّت شرائعه، ويضع الدلائل لأهلها، ويعمّ المنافع. إن في هذا الخلق والإبداع لدلالة واضحة على أن الله تعالى هو المتفرّد بالخلق والتدبير والألوهية، وعلى وجوب التوجّه بالعبادة إليه وحده لا شريك له، وعلى ضرورة إعزاز الإنسان وتكريمه، لئلا يعبد مثله أو من دونه، أو ما لا يفيده شيئا.
ولكن لا ينتفع بهذه الأدلة والبراهين، ولا يدرك أسرار الخلق والإبداع الإلهي إلا المؤمنون المصدّقون بالله ورسوله، لأنهم يستدلّون بآثار الخلق على وجود الخالق المؤثر فيها، وأنه يستحيل على غير الإله المعبود بحقّ أن يكون له إسهام فيها، أو تطلّع إلى ادّعاء شيء من خصائصها وميزاتها الباهرة، فذلك ما لا يستطيعه.
وإذا كان الإله هو خالق السماوات والأرض فإنه تجب العبادة له، وحده،
خالصة نقية من أي شائبة، لذا أمر الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وكل مؤمن بأمرين مهمّين يحقّقان العبودية لله، ويوجّهان إلى صحة العبادة، وضرورة الخضوع لأمر الله، وهذان الأمران المهمّان:
أولهما- تلاوة القرآن الكريم وحي الله عز وجل لنبيّه وأمّته، فإن القرآن إمام ونور، وهدى ورحمة، وشفاء لما في الصدور، ونجاة لمن اتّبعه، وحصن لمن اعتصم به، وعلاج للمحن والأزمات، وتعليم لشؤون الحياة كلها.
والأمر الثاني- إقامة الصلاة بأدائها تامة الأركان والشرائط، وإدامتها في قلب خاشع، وعقل متدبر، ولسان ذاكر، وإشراقة نفس، واستحضار عظمة المعبود، وللصلاة فوائد شخصية واجتماعية كثيرة، فهي تنهى عن ارتكاب الفواحش والمنكرات، وفيها ذكر الله المهيمن على كل شيء في السّرّ والعلن، وإدامة الذّكر وترطيب اللسان به يشعر المصلي بكمال عظمة الله، وذكر الله أكبر من كل شيء في هذا العالم على الإطلاق، فالله هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر، وجزء الذكر الذي في الصلاة: إنما هو الذي ينهى بالفعل، لأن الانتهاء لا يكون إلّا من ذاكر لله مراقب له، وثواب هذا الذكر: أن يذكر الله تعالى عبده المصلي، كما
جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه: «من ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم» .
والذكر النافع: إنما هو مع العلم بالله تعالى، وإقبال القلب وتفرّغه إلّا من الله تعالى. وذكر الله تعالى للعبد: هو إفاضة الهدى ونور العلم عليه. والله عليم بما تصنعون من خير أو شرّ، يعلم بكل قول وفعل، وذلك نوع من التّوعّد على ترك الصلاة وذكر الله، وحثّ على مراقبة الله على الدوام.