الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بجزاء النار، علما بأنه لم تنفعهم أصنامهم شيئا، ولا منعت عنهم الضرر، وهذا ما نصت عليه الآيات الآتية، لبيان أن القرآن وحده هو الهدى والمنقذ:
[سورة الجاثية (45) : الآيات 7 الى 11]
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (10) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)
«1» «2» «3» «4» [الجاثية: 45/ 7- 11] .
الهلاك والعذاب. والمصائب من الحزن والشدة، لكل كذاب بآيات الله، كثير الإثم والمعاصي، لأنه يسمع آيات الله تتلى على مسامعه، وفيها الدلالة الواضحة على وحدانية الله وقدرته، ويبقى مصرّا على كفره، ويتكبر ويتعاظم عن الإيمان بالآيات، معجبا بنفسه، وكأنه لم يسمع الآيات، فهو في عدم الالتفات إليها، والإصغاء لمغزاها، يشبه حال غير السامع، فأخبره أيها النبي وبشّره بعذاب شديد مؤلم. والتعبير عن الخبر المحزن بالبشارة تهكم واحتقار. وقوله تعالى: يُصِرُّ أي يثبت على عقيدته من الكفر.
وسبب نزول هذه الآية: ما كان يفعله أبو جهل والنضر بن الحارث وغيرهما، من إصرار على الكفر وعناد. وتعم الآية كل من دخل تحت الأوصاف المذكورة إلى يوم القيامة.
والسبب الثاني لتعذيب أحد هؤلاء: أنه إذا علم هذا الأفاك الكذوب من آيات
(1) الويل: كلمة عذاب، والأفاك: الكذب.
(2)
البشارة بشيء هي في الخير والمحابّ، فإذا قيدت بكلمة (العذاب) ونحوها أريد بها التهكم والاحتقار.
(3)
أي أنصارا يتولون أمورهم.
(4)
الرجز: أشد أنواع العذاب.
الله شيئا، أي أخبر بشيء منها، اتخذها مهزوءا بها، وموضعا للسخرية والتندر، أولئك الأفاكون، لهم عذاب مهين، أي مشتمل على المذلة والهوان والافتضاح.
وكلمة (أولئك) مشار بها إلى قوله لِكُلِّ أَفَّاكٍ لأنه اسم جنس، له الصفات المذكورة بعده.
وصفة ذلك العذاب: أن أمام أولئك الأفاكين جهنم يوم القيامة، أو أعقاب أفعالهم جهنم، ولا يدفع عنهم شيئا من العذاب ما كسبوا في الدنيا من الأولاد والأموال، كما قال الله تعالى في آية أخرى: لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً [آل عمران: 3/ 10 و116] ولا ينفعهم أي نفع، ولا تفيدهم الأصنام التي اتخذوها آلهة، يعبدونها من دون الله، وأعوانا وأنصارا، يتوقعون منها النفع ودفع الضرر، ولهم عذاب شديد مؤلم في جهنم.
وقوله سبحانه مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ قال بعضهم: معناه: من أمامهم، والواقع لا داعي لهذا التأويل، فكلمة (وراء) في اللغة هي المفيدة لما يأتي خلف الإنسان، وما يأتي بعد الشيء في الزمان فهو وراءه، وجهنم وإحراقها للكفار: يأتي بعد كفرهم وأفعالهم. وقوله سبحانه: وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ يعني بذلك الأوثان.
والفرق بين قوله أولا: لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ثم قوله وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ أن الوصف الأول يدل على الإهانة مع العذاب، والوصف الثاني يدل على بلوغ العذاب أشده في كونه ضررا.
ثم وصف الله تعالى القرآن الكريم بأنه طريق النجاة المحققة، وأنه هاد إلى الحق، ومرشد إلى الصواب، وناقل الناس من الظلام إلى النور، والذين جحدوا بآيات ربهم في القرآن، سواء الآيات الكونية أو الشرعية، لهم أشد العذاب يوم القيامة. ووصف العذاب سابقا بوصف (أليم) و (مهين) و (عظيم) يؤدي إلى قوله تعالى: عَذابٌ مِنْ