الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجعل الله أولئك الضعاف الأذلة ولاة الأمور، ووارثين لملك فرعون وأرضه وما في سلطانه، وجعل لهم السلطة والنفوذ في أرض فرعون. وأرى الله فرعون الطاغية، وهامان وزيره الماكر، وأتباعهما ما كانوا يخافون منه، من ذهاب ملكهم، وهلاكهم على يد مولود من بني إسرائيل، وقد أنفذ الله أمره، وحقّق حكمه، بأن جعل تدمير فرعون وقومه على يد من تربّى في قصره، بعد أن صيّره الله رسولا ونبيا، وأنزل عليه التوراة، ليعلم أن الله وحده هو القاهر الغالب على أمره، ويتم أمر الله فيما أوقعه بفرعون وقومه وجنده فيما خافوه وحذروه من جهة بني إسرائيل وتغلبهم.
إرضاع موسى عليه السلام من أمّه
خشي فرعون حاكم مصر هلاك ملكه على يد بني إسرائيل، فكان يقتّل الأبناء، ويبقى البنات أحياء للخدمة، وشاء الله تعالى أن ينجو من القتل موسى عليه السلام بعد ولادته وإلقائه في البحر، فالتقطه آل فرعون لتربيته، وإعداده في النهاية لتدمير ملك فرعون من حيث لا يشعرون، ولم تتضرر أم موسى على رمي وليدها في البحر، فمنعه من قبول ثدي أي امرأة أخرى غير ثدي أمّه، فأرشدت أخته حاشية فرعون إلى من يرضعه، وأعاده الله تعالى لأمّه سالما آمنا، وهذه فصول قصة رضاعه، قال الله تعالى:
[سورة القصص (28) : الآيات 7 الى 13]
وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (8) وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11)
وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (12) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13)
«1»
(1) متعمّدين الخطأ الموجب للإثم.
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» [القصص: 28/ 7- 13] .
كان إقدام فرعون على تذبيح صبيان بني إسرائيل، لأنه- كما قال قتادة- قال له كهنته وعلماؤه: إن غلاما لبني إسرائيل يفسد ملكك، فرأى أن يقطع نسلهم، فصار يذبح عاما، ويستحيي عاما، فولد هارون عليه السلام في عام الاستحياء، وولد موسى عليه السلام في عام الذّبح، أي إن فرعون- كما قال ابن عطية- طمع بجهله أن يردّ القدر.
وابتدأت القصة، بذكر نعمة الله على موسى عليه السلام، فيما معناه: وألهمنا أمّ موسى إرضاعه فترة زمنية، فأرضعته ثلاثة أو أربعة أشهر. كما يقال، فإذا خفت عليه من القتل، فألقيه في بحر النّيل، ولا تخافي عليه من الغرق والضياع، ولا تحزني على فراقه، إنّا سنردّه عليك لتكوني أنت مرضعته، وسنجعله نبيّا مرسلا إلى قومه بني إسرائيل.
فلما ألقي موسى في نيل مصر، مرّ أمام قصر فرعون، فالتقطه آل فرعون (أهله) من أجل معرفة ما في التابوت، وآثروا تبنّيه وتربيته، دون أن يدروا بمصيره، فكانت عاقبة أمره والتقاطه أن يصير موسى عليه السلام بعد النّبوة والكهولة عدوّا لهم،
(1) مسرة وفرح.
(2)
خاليا من كل شيء عدا موسى.
(3)
لتصرّح ببنوّته.
(4)
أي ثبّتناها.
(5)
تتبّعي أثره وخبره.
(6)
مكان بعيد.
(7)
يربّونه.
(8)
تسرّ وتفرح بولدها.
بمخالفة دينهم، وإغراقهم في البحر وزوال ملكهم، لتكذيبهم برسالة موسى عليه السلام. فتكون لام لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا لام العاقبة أو الصيرورة، لا أن القصد بالالتقاط من أجل أن يكون لهم عدوّا. ولقد كان فرعون ووزيره وأكبر رجاله هامان وجنودهما متعمدين الخطأ، مصرّين على تكذيب موسى. وبهذا يعلم أن (الخاطئ) متعمّد الخطأ، و (المخطئ) : الذي لا يتعمّده، فعاقبهم الله بأن ربّى عدوّهم عندهم، وكان هو سبب هلاكهم.
وقالت زوجة فرعون له: هذا الطفل قرّة عين لي، أي سلوة لي، تقرّ به عيني، وتفرح به نفسي، فلا تقتلوه، وذلك الإلهام لامرأة فرعون لأن الله تعالى ألقى عليه المحبة، فكان يحبّه كل من شاهده، ولعله يكون سببا للخير والنفع، أو نتخذه ولدا ونتبنّاه، لما يتمتع به من الوسامة والجمال، ولكن لم يشعر قوم فرعون أن هلاكهم بسبب هذا الطفل وعلى يده.
وأصبح قلب أم موسى بعد إلقاء صندوقه في البحر فارغا من كل شيء من شواغل الدنيا، إلا من ذكر موسى، وكادت من شدّة حزنها وأسفها إظهار أمر ابنها وأنه ذهب لها ولد، وأنها أمّه، لولا أن ثبّت الله قلبها وصبّرها، لتكون من المصدّقين الواثقين بوعد الله لها، بردّه إليها.
وقالت أمّ موسى لأخته ابنتها الكبرى: تتبّعي أثره واعرفي خبره، فخرجت لذلك، فعثرت عليه في بيت فرعون، وأبصرته عن بعد، والقوم لا يشعرون بها وبمهمّتها، ولا بأنه الذي يفسد الملك على يديه.
ومنع الله موسى من قبول ثدي المراضع غير ثدي أمّه، من قبل، أي من أول أمره، فقالت أخته لمن حول بيت فرعون: ألا أدلّكم على أهل بيت يتكفّلون بشأنه وإرضاعه وحضانته، وهم حافظون له، ناصحون للملك، بخدمته والمحافظة عليه؟!