الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلكم كارهين للحق وأهله. بل إن مشركي مكة وأمثالهم دبروا كيدا للنبي صلى الله عليه وسلم في دار الندوة بمكة، ليقتلوه أو يحبسوه أو يطردوه، وأحكموا أمر الكيد والمؤامرة، ولكن الله أبرم حكما لهم بنصره وحمايته وبيّت لهم جزاء وعقابا شديدا. قال مقاتل: نزلت هذه الآية أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً في تدبيرهم في المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم في دار الندوة.
بل أيظنون أنا لا نسمع سرهم وعلانيتهم، سواء ما يضمرونه من شر وكيد، أو ما يتناجون به علانية لحبك المؤامرة وتنفيذها؟ بلى، نحن نسمع ذلك ونعلم به تماما، والملائكة الحفظة أيضا يكتبون جميع ما يصدر عنهم من قول أو فعل.
أخرج ابن جرير الطبري في نزول هذه الآية، عن محمد بن كعب القرظي قال:
بينا ثلاثة بين الكعبة وأستارها: قرشيان وثقفي، أو ثقفيان وقرشي، فقال واحد منهم: ترون الله يسمع كلامنا؟ فقال آخر: إذا جهرتم سمع، وإذا أسررتم لم يسمع، فأنزلت أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ.. الآية، أي إنها نزلت لأن كثيرا من العرب كانوا لا يعتقدون أن الله تعالى لا يسمع السرار.
نفي الولد والشريك عن الله تعالى
على الرغم من تهديد الكفار بعذاب النار، فإنهم بقوا على الشرك بنسبة الولد والشرك لله تعالى، فنفى الله تعالى ذلك نفيا باتا، وأوضح أنه المعبود بحق، وأنه الحكيم في صنعه، العليم بكل شيء، ومالك السماوات والأرض، وهو إله السماء وإله الأرض، وأن الآلهة المعبودة لا نفع ولا شفاعة لها، وأن المشركين متناقضون حين أقروا بأن خالق الكون هو الله تعالى، ثم عبدوا غيره، فهم قوم لا يؤمنون، وحسابهم آت لا ريب فيه، كما بيّنت الآيات الآتية:
[سورة الزخرف (43) : الآيات 81 الى 89]
قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (81) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)
وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)
«1» «2» «3» «4» [الزخرف: 43/ 81- 89] .
قل أيها النبي لقومك الذين أشركوا مع الله إلها آخر: إن وجد للرحمن ولد- كما يقولون- فأنا أول من يعبده على ذلك، ولكن ليس له شيء من ذلك جل وعلا. وهذا وارد على سبيل الافتراض أو لطيف الخطاب، نحو قوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ: 34/ 24] .
وأكد الله نفي الولد عنه، فقد تنزه وتقدس عما يقولون، من الكذب بادعاء ولد له، فهو رب السماوات والأرض ومالكهما، ورب العرش المحيط بالكون، وهو منزه عما يصفه به المشركون كذبا، من نسبة الولد إليه. وخص الله السماوات والأرض والعرش، لأنها أعظم المخلوقات.
فاتركهم أيها النبي يخوضوا في جهلهم وباطلهم وضلالهم، ويلعبوا ويلهوا في دنياهم، حتى يلقوا يوم القيامة الذي يوعدون به. وهذا تهديد ووعيد، ثم يؤكد الله تنزيه نفسه عن الولد بجملة أمور، وهي ما يأتي:
- الله كائن في جميع الكون، فهو الإله المعبود في السماء، والإله المعبود في الأرض، فلا يستحق العبادة سواه، وهو الحكيم في تدبير خلقه، العليم بمصالحهم.
(1) أي اتركهم يعبثوا في باطلهم.
(2)
تفاعل من البركة، أي تزايدت بركاته.
(3)
أي يصرفون.
(4)
أي وقوله. وهو معطوف على الساعة، أي وعنده علم الساعة وعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذه آية تحكم بعظمة الله وتخبر بألوهيته، والمراد بها: أنه تعالى هو المنافذ أمره في كل شيء.
- ولا نفع للأصنام، فقد تعاظم الله وزادت خيراته وبركاته، فهو مالك السماوات والأرض، وما بينهما من الفضاء والهواء، وجميع الموجودات من إنسان وحيوان، وهو خالق كل شيء، وهذا حصر لجميع الموجودات المحسوسة، والله هو المختص بعلم الساعة، أي بتحديد قيامها، ووقتها، وتعيينه وحصره. فهذا مما استأثر الله بعلمه، وإليه مرجع أو مصير الخلائق كلها، فيجازي كل إنسان بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. فقوله: وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ هم المعبودون.
- ولا تملك الأصنام ولا تقدر كأي معبود من دون الله الشفاعة بأحد، كما يزعم عبدتها من أنها تشفع لهم، لكن من آمن وشهد بالحق المنزل من عند الله، عن بصيرة ويقين، وبأن الله وحده لا شريك له، فإن شفاعته مقبولة عند الله بإذنه، وكان هؤلاء المشفعون على علم وبصيرة بما شهدوا به.
- وتالله لئن سألت هؤلاء المشركين بالله، العابدين معه غيره عمن خلقهم؟
لأجابوا بأنه هو الله، فهم يعترفون بأن الله خالق جميع الأشياء، ومع هذا يعبدون معه غيره ممن لا يملك شيئا، ولا يقدر على شيء، فكيف يصرفون عن العبادة الحقة؟
وهي عبادة الله عز وجل إلى عبادة غيره، ومع وجود هذا الاعتراف، إنهم إذن في غاية التناقض، والجهل، والسفاهة، ومدعاة التعجب. لقد أظهر الله تعالى الحجة عليهم من أقوالهم وإقرارهم بأن الله تعالى هو خالقهم وموجدهم بعد العدم، فلأي جهة يصرفون؟! - والله تعالى عالم بالساعة، أي القيامة، وعالم بشكوى نبيه صلى الله عليه وسلم
وقوله: يا رب، إن هؤلاء القوم الذين أرسلتني إليهم قوم لا يؤمنون ولا يصدّقون بك، ولا برسالتي إليهم.
فأمره الله بالمسامحة إلى أجل، وقوله له: اصفح عن المشركين صفح المغاضب المعرض ترفعا، لا الموافق المجامل، وأعرض عما يقولون وعما يتهمونك به من السحر والكهانة، واصبر على دعوتهم إلى توحيد الله إلى أن يأتي أمر الله. وهذا يتضمن شيئين: وهما تهديد ووعيد من الله لهم، ووعد متضمن بنصر الإسلام والمسلمين عليهم عما قريب، وقد أنجز الله وعده، وأيد رسوله، وهزم أركان الشرك والمشركين، وطهر جزيرة العرب من لوثات الشرك وآثار المشركين.