الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الملك
من أدلّة القدرة الإلهية
أقام الحق تبارك وتعالى في مناسبات عديدة أدلة قاطعة على علمه وقدرته، لإثبات عظمته ووحدانيته ومقدرته على البعث أو القيامة، ليؤمن الكافر، ويزداد المؤمن إيمانا، وتلك الأدلة تتركز حول خلق الإنسان، وخلق السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما من كواكب، وخلق الموت والحياة، وتعاقب الليل والنهار وغير ذلك. وفي مطلع سورة الملك أو الواقية أو المنجية، التي هي مكّية بالإجماع، بعض هذه الأدلّة:
[سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 11]
بسم الله الرحمن الرحيم
تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَاّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9)
وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (11)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» «9» «10» «11» «12» [الملك: 67/ 1- 11] .
(1) تعاظم بالذّات عن كل ما سواه ذاتا وصفة وفعلا.
(2)
ليختبركم، أي يعاملكم معاملة المختبر.
(3)
متطابقة بعضها فوق بعض.
(4)
شقوق وصدوع.
(5)
كرّة بعد أخرى.
(6)
صاغرا ذليلا.
(7)
كليل منقطع. [.....]
(8)
ما يرجم به.
(9)
النار الملتهبة.
(10)
صوتا منكرا.
(11)
تميّز، أي تتقطع من شدة الغيظ.
(12)
بعدا من رحمة الله.
تعاظم الله تعالى وتقدّس وتمجّد عما سواه، ذاتا وصفة وفعلا، وتبارك أيضا:
تزايد في الخيرات، فهو المالك لكل شيء، وهو تام القدرة على كل شيء، لا يعجزه شيء، يتصرّف في ملكه كيف يريد، من إحياء وإماتة، ورفع وخفض، وإنعام وانتقام، وإعطاء وحرمان.
فهو الذات الأعظم، والمالك المطلق، والمتصرف كيف يشاء والقادر على كل شيء. ومن آثار قدرته:- أنه تعالى أوجد الموت والحياة، وقدرهما من الأزل، ليعاملكم معاملة المختبر لأعمالكم، فيجازيكم على ذلك، وهو القوي الغالب القاهر، الذي لا يغلبه ولا يعجزه أحد، الواسع المغفرة والسّتر لذنوب عباده. وهذا دليل على أن الموت أمر وجودي، لا عدمي، لأنه مخلوق. والقصد من الابتلاء:
إقامة الدليل الحسّي على أفعال العباد، وإظهار كمال المحسنين وإساءة المسيئين.
والموت والحياة: معنيان يتعاقبان جسم الحيوان (الكائن الحي) يرتفع أحدهما بحلول الآخر. وقدّم الموت على الحياة في الآية، لأنه أدعى إلى العمل. وقوله: لِيَبْلُوَكُمْ أي ليختبركم في حال الحياة، ويجازيكم بعد الموت.
- ومن مظاهر قدرته: أنه تعالى أوجد أو أبدع السماوات السبع، المتطابقة بعضها فوق بعض، كل سماء منفصلة عن الأخرى، لا تشاهد أيها الناظر المتأمّل في مخلوقات الرحمن تناقضا وتباينا أو قلّة تناسب وخروج عن الانسجام، وإن كنت في شك من ذلك، فكرر البصر، هل تشاهد فيها من صدوع وشقوق؟ وهذا دليل على تعظيم خلقها وسلامتها من العيوب. ثم ردد البصر ودقّق مرة بعد مرة، يرتد إليك البصر صاغرا ذليلا عن رؤية شيء من الخلل أو العيب في خلق السماء، وهو كليل عيي من كثرة التأمل وإعادة النظر.
- ومن مظاهر القدرة الإلهية أيضا أننا- الله- زيّنا أقرب السماوات إلى الناس
بمصابيح، أي بكواكب أو نجوم ثوابت وسيارات، تضيء كإضاءة السّراج، وجعلنا بعض تلك الكواكب راجمات لرجم الشياطين، وهيّأنا أو أعددنا للشياطين في الآخرة بعد الإحراق في الدنيا بالشهب المنقصة عذاب النار الملتهبة، بسبب فسادهم وإفسادهم.
وهيأنا للذين كفروا بربّهم، وكذبوا رسله، عذاب نار جهنم، وبئس المرجع وما يصيرون إليه، وهو جهنم. ثم ذكر الله تعالى للنار أربع صفات وهي:
- إذا طرح الكفار في نار جهنم، كما يطرح الحطب في النار العظيمة، سمعوا لها صوتا منكرا كصوت الحمير أول نهيقها، وهي أيضا تغلي بهم غليان المرجل.
- تكاد تلك النار، أي تقترب أن تتقطع من شدة غيظها على الكفار. لكن أولاد الأنبياء والمؤمنين قبل البلوغ: هم في الجنة، وكذلك أولاد المشركين بدليل هذه الآية المتضمنة مساءلة الخزنة.
- وكلما طرح فيها فوج، أي جماعة من الكفار، سألهم أعوانها وزبانيتها سؤال تقريع وتوبيخ: أما جاءكم في الدنيا رسول منذر، ينذركم هذا اليوم، ويخوّفكم منه؟
والآية تقتضي أنه لا يلقى فيها أحد إلا سئل على جهة التوبيخ عن النّذر.
فأجابهم الكفار: مقرين بأنهم جاءوهم وكذّبوهم، قائلين: بلى جاءنا رسول من عند الله ربّنا، فأنذرنا وخوّفنا، لكنا كذبنا ذلك النذير، وقلنا له: ما نزّل الله من شيء على لسانك، ولم يوح إليك بشيء من أمور الغيب، وأخبار الآخرة والشرائع المنزلة، وما أنتم أيها الرّسل، إلا في متاهة وانحراف عن الحق، وبعد عن الصواب.
وقوله: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ يحتمل أن يكون من قول الملائكة للكفار، ويحتمل أن يكون من كلام الكفار للنذر.
وأجابوا أيضا بأننا نلوم أنفسنا، فلو كنا نسمع ما أنزل الله من الحق سماع