الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألوان عذاب جهنم
تتنوع ألوان النعيم للمؤمنين الصالحين في الجنان، كما تتنوع ألوان العذاب في جهنم للظالمين المشركين والجاحدين، والتفاوت قائم في كلا الحالين، وبدهي أن النفس ترتاح للنعيم، وتتضايق للعذاب، وقد جاء الوصف القرآني لتعذيب الكفار بما لا يوصف ولا يحتمل، ولكن رحمة الله تعالى قدّمت الإنذار به قبل وقوعه، للاحتراز منه، وتجنب كل الأسباب المؤدية إليه، فلا يبقى بعدئذ عذر لمقصر أو معاند أو جاحد، لأن سبق الإنذار يوجب التعقل، وتقدير الحساب والمخاطر، وهذا ما وصفته الآيات القرآنية الآتية:
[سورة الصافات (37) : الآيات 62 الى 74]
أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66)
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (69) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَاّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74)
«1» [الصافات: 37/ 62- 74] .
هذه تساؤلات تقريرية لقريش والكفار، ليست للاستفهام، يراد بها إعلامهم بأن هذا المذكور من أوصاف نعيم الجنة وطيباتها في القرآن خير ضيافة وعطاء، أم شجرة الزقوم ذات الطعم المرّ الشنيع التي في جهنم، وهذا نوع من التهكم والسخرية بهم، فهو طعام أهل النار يتزقمونه. إنا جعلنا تلك الشجرة اختبارا للكافرين، حين افتتنوا بها وكذبوا بوجودها، فقالوا: كيف تكون تلك الشجرة في النار، والنار تحرق ما فيها؟.
(1) يستحثهم البرد للذهاب إلى النار، وهذا الفعل ملازم للبناء للمجهول.
وهذا بسبب جهلهم أن بعض الأشياء لا يقبل الاحتراق في النار، وأنهم لم يعلموا أن من قدر على جعل إنسان يعيش في النار، هو أقدر على خلق شجر فيها لا يحترق.
وأوصاف تلك الشجرة: أنها شجرة تخرج أو تنبت في قعر النار وقرار جهنم، أي ملاصق أساسها الذي لها كالجدران. ويشبه ثمرها في تناهي قبحه، وبشاعة منظره، رؤوس الشياطين، تكريها لذكرها. فقد شبه ثمرها بما استقر في النفوس من كراهة رؤوس الشياطين وقبحها، وإن كانت لم تر.
وهذه الشجرة يأكل الكفار من ثمرها القبيح الرائحة والطعم، فيملئون منها بطونهم، بالإكراه والاضطرار، لأنهم لا يجدون غير هذه الشجرة ونحوها من كل مرّ عسر المذاق.
ثم إن لهم بعد الأكل منها لشرابا من ماء شديد الحرارة يخالط طعامهم، أي إن حال المشروب في البشاعة أعظم من حال المأكول. ثم إن مرجعهم بعد شرب الحميم وأكل الزقوم إلى دار الجحيم، أي إن الحميم يكون في موضع خارج عن الجحيم، فهم يوردون الحميم لشربه، كما تورد الإبل إلى الماء، ثم يردّون إلى الجحيم.
وعلة عذابهم على هذا النحو: أنهم وجدوا آباءهم على الضلال، فاقتدوا بهم وقلّدوهم، من غير تعقل ولا تدبر، ولا حجة ولا برهان، فهم يتّبعون آباءهم في سرعة. وذلك يدل على أن الكفر ظاهرة قديمة، وأتباعه كثيرون، فلقد كان أكثر الأمم الماضية ضالين، يجعلون مع الله آلهة أخرى، وليس قريشا وحدهم في هذا الضلال.
ولكن رحمة الله تعالى لم تتركهم بدون إنذار، فلقد أرسل الله في الأمم كلها أنبياء ورسلا ينذرونهم بأس الله، ويحذرونهم سطوته ونقمته ممن كفر به، وعبد غيره، لكنهم تمادوا في تكذيب رسلهم، فأهلكهم الله تعالى، كما قال سبحانه: فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ أي فانظر أيها الرسول وكل مخاطب بالرسالة الإلهية كيف