الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة سبأ
إثبات البعث
يفتتن الناس عادة بالقوة، ويمجدون الأقوياء، ويتعاطفون مع الأبطال، ويتابعون مشاهد بطولاتهم في أعمالهم، وما يلحقون به غيرهم من هزائم منكرة، ولكنهم مع الأسف الشديد لاهون، غير متأملين بمن هو مصدر القوة كلها جميعا في السماوات والأرض. وأبين دليل على قوة الله وعزته وسلطانه: خلقه السماوات والأرض، والإنسان في أقوم خلقه وأشدّ تركيب، وأحكم انسجام بين أجزاء جسده. قال الله تعالى مدللا على قدرته، وإثبات البعث، في مطلع سورة سبأ المكية، إلا قوله تعالى:
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ قيل: هي مكية، والمراد: المؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: هي مدنية، والمراد من أسلم بالمدينة من أهل الكتاب كابن سلام وأشباهه:
[سورة سبإ (34) : الآيات 1 الى 5]
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)
«1» «2» [السبأ: 34/ 1- 5] .
(1) لا يغيب.
(2)
الرجز: سيئ العذاب أو أشده، فهو العذاب السيئ جدا.
الشكر والحمد المطلق التام لله مالك السماوات والأرض وما فيهما، والمتصرف بشؤونهما، له الحمد في الآخرة كالدنيا، لأنه المنعم المتفضل على أهل الدنيا والآخرة بنعمه الكثيرة، وهو الحكيم في أقواله وأفعاله، وشرعه وقدره، يدبّر شؤون خلقه أحكم تدبير، وهو خبير ببواطن الأمور وظواهرها.
والألف واللام في كلمة الْحَمْدُ لاستغراق الجنس، أي الحمد بأنواعه المختلفة هو لله تعالى من جميع جهات الفكر.
والصفات التي تستوجب المحامد هي في الآية: ملكه جميع ما في السماوات وما في الأرض، وعلمه المحيط بكل شيء، وخبرته وحكمته بالأشياء، لخلقه إياها، ورحمته بأنواع خلقه، وغفرانه لأهل الإيمان.
ولله أيضا كل الحمد في الآخرة، فاللام والألف للجنس أيضا، وهو خبر يفيد أن لله وحده الحمد في الآخرة، لإنعامه وأفضاله ورحمته، وظهور قدرته، وغير ذلك من صفاته.
والله يعلم كل ما يدخل في الأرض، كالغيث والكنوز والدفائن والأموات، ويعلم ما يخرج من الأرض، كالحيوان والنبات والماء والمعادن. ويعلم ما ينزل من السماء كالملائكة والكتب والأرزاق، والأمطار، والصواعق، وما يعرج فيها كالملائكة أيضا، وأعمال العباد والغازات والأدخنة ووسائل النقل الجوي، والطيور، والله هو الرحيم بعباده، فلا يعاجل عصيانهم بالعقوبة، الغفور لذنوب التائبين إليه، المتوكلين عليه.
ولكن أنكر الكفار قيام القيامة، فقالوا استعجالا منهم واستهزاء بالوعيد: لن تقوم الساعة، ولا حساب، ولا حشر، ولا جنة، ولا نار، فرد الله: قل أيها النبي