الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجادلة أهل الكتاب
إن تحقيق الأغراض أو الأهداف المنشودة يتطلب حكمة معينة ومهارة فائقة، وذكاء وحصافة، وتخطيطا ودراسة، وإن دعوة غير المسلمين للإسلام ومحاولة إدخالهم في دين الله، من أدقّ الأشياء وأعسرها، لأن توارث العصبيات والأحقاد القديمة، يحجب غالبا رؤية الحقيقة الناصعة، ولأن دوام العقيدة أو غرسها، يتطلب قناعة راسخة، وبرهانا واضحا ينسجم مع العقل والمنطق، ومقتضى العلم والمعرفة، لذا كان توجيه القرآن الكريم في شأن جدال أهل الكتاب يتفق مع هذه المسلّمات، ويأمر باستعمال الكلمة الحسنى، والخصلة الخلقية التي هي أحسن، قال الله تعالى مبيّنا منهاجه في الدعوة إلى الإسلام:
[سورة العنكبوت (29) : الآيات 46 الى 49]
وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَاّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَاّ الْكافِرُونَ (47) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَاّ الظَّالِمُونَ (49)
[العنكبوت: 29/ 46- 49] .
هذه هي طريقة إرشاد الكتابيين إلى الإسلام، تلتزم أصول المنهج التالي:
أولا- الجدال بالتي هي أحسن: ينهانا القرآن الكريم أن نجادل أهل الكتاب (اليهود والنصارى) إلّا بالطريقة الحسنة، وبالأسلوب الأحسن، فإنهم قوم يؤمنون بوجود الله واليوم الآخر، ويصدّقون بما أنزل على موسى وعيسى عليهما السلام من الكتب السماوية، فكانوا أولى الناس بالالتقاء على هدي الإسلام الذي ضمّ الأديان كلها، والإيمان بخاتم الأنبياء.
لكن الذين ظلموا أنفسهم، وعادوا للحقّ، وتركوا سبيل الحجة الواضحة، ولم يستعملوا منطق العقل المجرد البعيد عن العصبية والهوى، فإنهم ميئوس من إرشادهم وإصلاحهم، وهم من بقي على كفره منهم.
ثانيا- الإيمان بأصول الأديان: يأمرنا القرآن المجيد أيضا أن نعلن إيماننا برسالة الإسلام الشاملة التي تعني الخضوع لله تعالى، وبأن الإله إله الجميع، إلهنا وإلهكم واحد، لا شريك له، وإيماننا بما أنزل إلينا من القرآن، وإليكم من التوراة والإنجيل في أصلهما المنزّلين، ونحن عابدون خاضعون لله، مطيعون أوامره، مجتنبين نواهيه.
ثالثا- إنزال الكتب على الجميع: مثل إنزال الله الكتب على من قبلك من الرسل أيها الرسول النّبي، إنزال القرآن إليك، فالذين جاءهم الكتاب السابق من اليهود والنصارى إذا نظروا وتأمّلوا بحق يؤمنون بالقرآن الكريم، ومنهم من آمن به بالفعل، كعبد الله بن سلام اليهودي الأصل، وسلمان الفارسي المتنصر المعروف بسلمان الخير، ونحوهما، وما يكذّب بآيات الله ويجحد بمضمونها إلّا الذين أوغلوا في قيعان الكفر وركنوا إليه.
رابعا- أمّية النّبي: ولم تكن أيها النّبي قبل النّبوة تقرأ شيئا من الكتب، ولا تعرف الكتابة ولا القراءة، ولا تستطيع أن تخطّ سطرا من الكتاب بيمينك، فأنت خالي الذهن، لم تتشرب بشيء سابق، ولو كنت قارئا وكاتبا، لشكّ المشركون الجهلة فيما نزّل إليك، وادّعوا أنه مأخوذ من كتب سابقة، وإذ لم تكن كاتبا ولا قارئا ولا سبيل لك إلى التّعلم، فلا وجه لارتياب كل من عاداك، فأهل الباطل هم المتمسكون بالضلالات الموروثة، والانحرافات الشائعة.
خامسا- القرآن منزل من عند الله تعالى: بل إن هذا القرآن آيات واضحات الدلالة على الحقّ، وذلك أمر مستقر في قلوب العلماء من أهل الكتاب وغيرهم،