الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسعود فيما رواه أحمد والحاكم وغيرهما: «إن الله قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم أرزاقكم، وإن الله يعطي المال من يحبّ ومن لا يحبّ، ولا يعطي الإيمان إلا من يحبّ» .
والمعنى: إن الذين فتنوا بقارون انتبهوا، فتكلموا على قدر علمهم، فقالوا: على جهة التعجب والتّندّم: إن الله يبسط الرزق ويضيّقه بحسب مراده.
ولولا لطف الله بنا، وإحسانه إلينا، لخسف بنا الأرض، كما خسف بقارون، لأنا تمنّينا أن نكون مثله، بل إن الله لا يحقق الفوز والنجاح للكافرين به، المكذبين رسله، المنكرين ثواب الله وعقابه في الآخرة، مثل قارون ونحوه من عتاة الناس، وطغاة المال، ومردة العصاة من الإنس والجنّ.
العاقبة للمتّقين
العبرة في الأفعال والأعمال والتّصرفات كلها إنما هي في الغاية والهدف، لأن تصرّفات العقلاء تهدف إلى تحقيق غاية، وإنجاز مطلوب، وهكذا الشأن بين الدنيا والآخرة، الدنيا مزرعة الآخرة، والآخرة هدف العاملين العاقلين، فمن أحسن العمل في الدنيا، لقي العاقبة الحسنة في الآخرة، ومن أساء العمل في الدنيا، وجد أمامه النتيجة الوخيمة والخسارة المحقّقة، فلكلّ جزاء عمله حقّا وعدلا، وثوابا مكافئا، وعقابا مناسبا، وتكون موازين الحساب واضحة، والنهاية مؤكدة ومعروفة، لذا كان القرآن الكريم خير واعظ، وأخلص ناصح، يبين الأشياء قبل وقوعها، ويحدّد الأسباب والغايات المرجوة قبل حصولها، قال الله تعالى مبيّنا ذلك:
[سورة القصص (28) : الآيات 83 الى 84]
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (84)
[القصص: 28/ 83- 84] .
هذا إخبار من الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم بقانونه العام، يراد به حضّ الناس على إحسان العمل وإتقانه، والتحذير من سوء العمل وإفساده، ولوم قارون ونظرائه الذين آثروا الدنيا على الآخرة، فإن الآخرة ليست في حسابات قارون، إنما هي لمن اتّصف بصفات معينة.
والمعنى: إن تلك الدار الخالدة العظيمة، ونعيمها الأبدي المذلّل، دون عناء ولا مشقة، يجعلها الله سبحانه وتعالى للذين لا يستعلون على الناس، ولا يتجبّرون عليهم، ولا يريدون أي لون من ألوان الفساد، والفساد يعمّ جميع وجوه الشّر، ومنها أخذ المال بغير حقّ، والعاقبة الحسنة: هي لأهل التقوى الملتزمين بأوامر الله، المبتعدين عن نواهيه ومحظوراته.
يدلّ ذلك على أن التواضع لله والناس أمر محمود، وأن العلو مذموم، وأن فعل الصلاح خير، وأن الفساد والإفساد شرّ ودمار.
وقانون الجزاء الإلهي على الأعمال واضح وقاطع، إما في الدنيا وإما في الآخرة، فمن جاء بالفعلة الحسنة، فله خير منها ذاتا وقدرا وصفة، ومن عمل صالحا فله خير من القدر الذي ينتظره موازيا لفعله، لأن فضل الله كبير، يضاعف الحسنات، وينمّي الخيرات، ويعطي الثواب الجزيل غير المتوقع بحسب أحوال الدنيا.
ومن جاء بالخصلة السيئة أو الفعلة الشنيعة، المنكرة عقلا وشرعا وعادة، فلا يجزى أصحاب الأعمال السيئة إلا مثلها قدرا، دون زيادة أو ظلم، فضلا من الله ورحمة، ومحبة وعدلا، وإبانة لجود الله وسخائه، وسعة خزائنه. وهذا دليل على أن فعل السوء وباء وظلام، وتدمير وضلال، وأن السيئة لا يضاعف جزاؤها، فضلا من الإله الغني، ورحمة من الرّحيم الرّحمن.
هذا القانون الإلهي بمضاعفة الحسنات، ومقابلة السيئات بمثلها دون زيادة،