الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنيران الجحيم، لاتباعهم أهواءهم في عبادة الأوثان، وهذه آيات تناسب الكلام على فريقي الناس عادة: مؤمنين وكفارا، قال الله تعالى:
[سورة محمد (47) : الآيات 10 الى 14]
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (10) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (13) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (14)
«1» «2» «3» [محمد: 47/ 10- 14] .
أفلا يتأمل القرشيون المشركون بمصائر الأمم السابقة، فيسيروا في الأرض، فينظروا كيف كان مصيرهم أو عاقبتهم، مثل أرض عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم، ليعتبروا ويروا ما حلّ بهم، كيف دمّر الله عليهم ديارهم، واستأصلهم بالإهلاك، وأتلف ممتلكاتهم وأموالهم، بسبب تكذيبهم رسلهم، وما أداه إليه كفرهم، ولهؤلاء الكافرين المكذبين أمثال عاقبة من قبلهم من الكفرة في الدنيا، مثل هزيمتهم في بدر وفتح مكة، ولهم عقاب أشد في الآخرة.
وهذه الآية توقيف لقريش وتوبيخ، نزلت يوم أحد، ومنها انتزع رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّه على أبي سفيان بن حرب حين
قال له: الله مولانا، ولا مولى لكم.
وسبب هذا العقاب بالتدمير والاستئصال للكافرين، ونجاة المؤمنين: أن الله ناصر عباده الذين آمنوا بالله تعالى، وأطاعوا رسوله، وأن الكافرين المكذبين لرسوله لا ناصر لهم، يدفع عنهم العذاب.
قال قتادة: نزلت يوم أحد، والنبي صلى الله عليه وسلم في
(1) أي أهلكهم مع أموالهم.
(2)
أي أمثال تلك العاقبة.
(3)
أي ناصرهم.
الشّعب، إذ صاح المشركون: يوم بيوم، لنا العزّى ولا عزّى لكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
قولوا: الله مولانا، ولا مولى لكم.
كما تقدم بيانه.
ثم بيّن الله تعالى أحوال المؤمنين والكافرين في الآخرة، فقال عن المؤمنين: إن الله يدخل عباده المؤمنين المصدقين بالله ورسوله، والعاملين الأعمال الصالحة جنات تجري الأنهار من تحت قصورها، تكريما لهم.
وأما الذين جحدوا بوجود الله وتوحيده، وكذبوا رسوله، فيتمتعون أو ينتفعون بمتاع الدنيا الحقير، ويأكلون منها كأكل الأنعام (الإبل والبقر والغنم) لا همّ لهم إلا ملء بطونهم، وإشباع شهواتهم، والنار مقر لهم أو مثوى، أي موضع الإقامة، والتشبيه بأكل الأنعام يراد به الأكل المجرد من الفكر والنظر، أي إن هذا التشبيه وقع فيما عدا الأكل على قلة الفكر وعدم النظر.
ثم هدّد الله مشركي مكة وتوعدهم بما حدث لأمثالهم، فكثير من أهل المدن والأمم السابقة ذات القوة والنفوذ، كانوا أشد بأسا وقوة، من أهل مكة الذين أخرجوك منها، فأهلكناهم، ولم يجدوا لهم ناصرا ولا معينا يدفع عنهم العذاب. فإذا أهلك الله تعالى عتاة الأمم الذين كذبوا الرسل. فسيفعل الأمر نفسه بأمثالهم. وإن امتنع عذاب الاستئصال في الدنيا إكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، فإن عذاب الآخرة كائن لهم حتما.
وسبب التفرقة بين الفريقين في الجزاء هو:
هل من كان على بصيرة ويقين من أمر دينه، وبما جبل عليه من الفطرة السليمة بتوحيد الله، مثل من زيّن له سوء عمله، فرآه حسنا، وهو عبادة الأوثان، والإشراك بالله، واقتراف المعاصي، فإنهم اتبعوا أهواءهم في عبادة الأصنام،