الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جزاء أهل الاستقامة
الاستقامة على منهاج الحق والخير وطاعة الله تعالى. دليل على توافر العقل والوعي.
والرجولة والشجاعة والعزة والكرامة، والانحراف عن ذلك المنهاج أمارة واضحة على الجهالة وقلة الوعي وضعف الإدراك، والجبن والمهانة، والانصياع للذّات والأهواء والشهوات، فما استقام أحد إلا نجا وأفلح، وكان متماسك الشخصية، قوي العزيمة والإرادة، وما ضل أحد إلا هلك ودمّر نفسه، وكان خائر العزيمة، ضعيف الإرادة. لذا كان الدين سبيلا لخير الإنسان، وإبعاده عن الشرور والآثام، فجاء القرآن الكريم يحضّ على الاستقامة، ويعد بالجزاء الأحسن في هذه الآيات الآتية:
[سورة فصلت (41) : الآيات 30 الى 32]
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَاّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)
[فصلت: 41/ 30- 32] .
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذلك أن المشركين قالوا: ربنا الله، والملائكة بناته، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله، فلم يستقيموا، وقال أبو بكر: ربنا الله وحده لا شريك له، ومحمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، فاستقام.
وأخرج الترمذي والنسائي والبزار وغيرهم عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا قال: «قد قال الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن مات عليها، فهو ممن استقام» .
هذه الآية واردة إذن في أحوال المؤمنين المستقيمين ونهايتهم، بعد بيان أحوال المشركين ونهايتهم، ليتبين الفرق بين المؤمن والكافر، وبين الطيب والخبيث، وهي وعد للمؤمنين، بعد آيات وعيد المشركين.
فالذين أقروا بربوبية الله تعالى وتوحيده، وأنه الإله الواحد الذي لا شريك له، وواظبوا على مقتضى التوحيد، واستقاموا وثبتوا على أمر الله تعالى، فأطاعوه وتجنبوا معاصيه، حتى ماتوا، تنزل عليهم الملائكة تبشرهم بالنجاة في أماكن ثلاثة: عند الموت، وفي القبر، وعند البعث، وتزيل مخاوفهم من أمور الآخرة، وتذهب عنهم الحزن عما فاتهم من أمور الدنيا من خيرات الأهل والأموال والأولاد، وتبشرهم بجنان الخلد التي وعدوا بها في الدنيا، على ألسنة الرسل، فإنهم واصلون إليها، خالدون في نعيمها، وأول درجات الاستقامة: أمن الخلود في النار بالنطق بالشهادتين،
أخرج الإمام أحمد وأبو داود والحاكم عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة» .
وطريق الاستقامة: أداء الطاعات، واجتناب المعاصي، تلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الآية وهو على المنبر، ثم قال: استقاموا- والله- لله تعالى بطاعته، ولم يروغوا روغان الثعالب.
وقال سفيان بن عبد الله الثقفي- فيما رواه أحمد ومسلم والبخاري في تاريخه وغيرهم-: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني بأمر أعتصم به، فقال: قل: ربي الله، ثم استقم، قلت: ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه، وقال: هذا. أي اللسان، فهو أخوف شيء على الإنسان، يورده المخاطر والمزالق، ويردي به إلى النار.
وتقول الملائكة للمؤمنين: نحن المتولون لحفظكم ومعونتكم في أمور الدنيا والآخرة، نؤنسكم من وحشة القبور، وعند نفخة الصور، ونؤمّنكم يوم البعث والنشور، ونجاوز بكم الصراط المستقيم، الذي هو جسر دقيق بين الجنة والنار، ونوصلكم إلى جنات النعيم. قال السدي: معنى الآية: نحن- أي الملائكة- حفظتكم في الدنيا، وأولياؤكم في الآخرة.