الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السعداء، ويبتعد عن موجبات جزاء الكافرين الأشقياء، وليتأكد كل الناس أن القرار الحاسم في الحكم الإلهي لا يقبل النقض، ولا يجد الخاسرون أنصارا ينصرونهم من بأس الله وعذابه، ولا طريق للإنقاذ أو تصور العودة إلى الدنيا، لأن الاختبار واحد والنتيجة واحدة، لا تتكرر، قال الله تعالى واصفا جزاء الكفار:
[سورة فاطر (35) : الآيات 36 الى 39]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَاّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَاّ خَساراً (39)
[فاطر: 35/ 36- 39] .
أخبر الله تعالى عن حال الذين كفروا، حال الذين اصطفى من عباده لوراثة القرآن، وهذا منهج القرآن في الغالب، لتتضح الصورة من خلال المقارنة والعظة، فأما المصطفون المختارون لإرث القرآن فهم في جنان الخلد، وأما الذين كفروا بالله وبالقرآن، وستروا ما أرشدت إليه العقول للوصول إلى الحق، فلهم نار جهنم، لا يحكم عليهم بموت ثان، فيستريحوا من العذاب والآلام، ولا يخفف عنهم شيء من العذاب طرفة عين، بل كلما خبت النيران زاد سعيرها، كما قال الله تعالى:
كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً [الإسراء: 17/ 97] .
ومثل ذلك الجزاء الشديد، يجزي الله تعالى كل كفور، أي مبالغ في الكفر وحال هؤلاء الكفار المعذبين في جهنم أنهم يستغيثون في النار، رافعين أصواتهم، ينادون قائلين: ربنا أخرجنا منها، وردّنا إلى الدنيا، نعمل عملا صالحا ترضى عنه، غير ما كنا نعمله من الشرك والمعاصي، فنجعل الإيمان بدل الكفر، والطاعة بدل المعصية.
فيقال لهم على سبيل التوبيخ والتوقيف على الوقائع في الدنيا أولم نترككم في الدنيا مدة من العمر، تكفي للتذكر والاتعاظ إذا أردتم التذكر؟ فتلك مدة كافية للإيمان ومعرفة الحق، وجاءكم الرسول المنذر، وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومعه القرآن، ينذركم بعقاب الله إن كفرتم وعصيتم،
أخرج الحكيم الترمذي والبيهقي في سننه وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة نودي: أين ابن الستين؟ وهو العمر الذي قال الله فيه: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ» .
فذوقوا عذاب جهنم، جزاء على عصيان أوامر الأنبياء لكم في الدنيا، فليس لكم ناصر ينقذكم مما أنتم فيه من العذاب والنكال، وهو تهكم بصيغة الأمر، مثل قول الله تعالى: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)[الدخان: 44/ 49] .
ثم أوعد الله تعالى الناس جميعا بإخباره أنه محيط علمه بجميع الأمور والأحوال، فإن الله يعلم كل أمر خفي في السماوات والأرض، ومنها أعمال العباد، لا تخفى عليه خافية، فلو ردكم إلى الدنيا لم تعملوا صالحا، فإن الله تام العلم بحقائق النفوس، وما تكنّه الصدور، وتضمره السرائر، من العقائد والظنون وحديث النفس، وسيجازي كل إنسان بعمله. وهذا ابتداء تذكير بالله تعالى، ودلائل على وحدانية الله وصفاته التي لا تبتغي الألوهية إلا معها. والغيب: كل ما غاب عن البشر، وبِذاتِ الصُّدُورِ
: ما فيها من المعتقدات والمعاني والأسرار.
وسبب علم الله بالغيب: أن الله جعلكم أيها البشر خلائف في الأرض، يخلف قوم قوما آخرين قبلهم، لينتفعوا بخيرات الأرض، ويشكروا الله بالتوحيد والطاعة، فمن كفر منكم هذه النعمة، فعليه وبال كفره، وجزاؤه عليه دون غيره. وكلما استمر الكافرون على كفرهم، لم يزدهم ذلك إلا بغضا من الله، وسخطا عليهم، وكلما