الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة فصلت (41) : الآيات 40 الى 43]
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) ما يُقالُ لَكَ إِلَاّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (43)
«1» «2» [فصلت: 41/ 40- 43] .
هذا تهديد لأولئك الضالين الذي يهجرون القرآن العظيم، أي يتركون الحق إلى غيره، ويميلون عن الاستقامة على منهج آيات القرآن بالطعن فيها وتحريفها، وتأويلها تأويلا باطلا، لاغين عند سماعها، إنهم لا يخفون على الله، وإنما يعلم بهم وسيجازيهم أشد الجزاء.
وهل أدرك هؤلاء هذا المصير، وهل غفلوا عن الفرق الشاسع بين المؤمن المستقر الآمن في الدنيا والآخرة، وبين الكافر الجبار المتكبر في الدنيا، والذي يلقى به في الآخرة في دركات النار؟ فالمؤمن يدخل الجنة، ويطمئن لما فيها من خيرات، والكافر يزجّ به في نيران جهنم، فيبقى في عذابها على الدوام، لا يقول عاقل بالتسوية بين الحالين أو الفريقين. ثم أكد الله التهديد والوعيد بقوله: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ أي اعملوا أيها الضالون المكذبون ما شئتم من الأعمال، فإن الله عالم بكم، وبصير بأعمالكم، ومجازيكم بحسب ما قدمتم من أعمال، خيرها وشرها، وقوله تعالى: لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا معناه: فنحن بالمرصاد لهم وسنعذبهم، وقوله تعالى: إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ دليل الوعيد والتهديد.
قال مقاتل: نزلت هذه في أبي جهل، وفي عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقيل:
(1) أي يميلون عن الحق والاستقامة. [.....]
(2)
أي القرآن.
في عمار بن ياسر رضي الله عنه. قال بشير بن فتح فيما أخرجه ابن المنذر: نزلت هذه الآية في أبي جهل وعمار بن ياسر.
والمفاضلة بين الإلقاء في النار والأمن يوم القيامة في كلمة (خير) ، وإن كانا لا يشتركان في صفة الخير، إنما هي بسبب كون الكلام تقريرا نهائيا بسوء مصير الكافرين، لا مجرد خبر وحكاية. وذلك مثل آية: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)[الفرقان: 25/ 24] . لأن المقرّر قد يقرر خصمه على قسمين: أحدهما بيّن الفساد، حتى يرى جوابه، فإذا اختار طريق الفساد، بان جهله وغباؤه.
وتابع القرآن التهديد وتأكيد الجزاء، بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ أي إن الذين كفروا بالقرآن الكريم ذي الذكر العالي والشرف الرفيع، لما جاءهم، نجازيهم على كفرهم، والحال أن القرآن متصف بصفات ثلاث: أولها: أنه كتاب عزيز عن المعارضة أو الطعن، منيع عن كل عيب من أي بشر، وثانيهما أنه لا يتمكن أحد من إبطاله وتحريفه، وليس لأحد أن يبطله من جميع جوانبه، لا في اللفظ ولا في المعنى، ولا في الحكم والأسلوب، ولا في الغرض أو القصة، فلا يكذبه كتاب سابق قبله، ولا فكر أو نظر لاحق بعده، محفوظ من النقص والزيادة، كما في آية أخرى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9)[الحجر: 15/ 9] .
وثالث الصفات: أنه تنزيل من إله حكيم في قوله وفعله، محمود في جميع أوامره ونواهيه، مشكور على نعمه وأفضاله، فكيف يأتيه الباطل بأي صورة أو باب؟! ثم أبان الله لرسوله وحدة الرسالات، وأنها تهدف إلى التوحيد الخالص، وإثبات الآخرة، وتقرير مبدأ الثواب والعقاب، مبينا أن ما يقال لك أيها الرسول من هؤلاء الكفار المشركين من وصفك بالسحر والجنون والكذب، وما ينالك من مكروه، ما هو إلا كأقوال الجاحدين لأنبيائهم ورسلهم، الذين تقدموك، فإن أقوامهم كانوا يقولون