الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الواقعة
قيام القيامة وانقسام الناس فريقين أو ثلاثة
تحدّثت سورة القيامة على خبر إثبات وقوعها، وكون ذلك ذلك الخبر حقيقة ثابتة واقعة، وعلى كون الناس فيها بحسب حظوظهم وأعمالهم فريقين: أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، ومن الفريق الأول فئة السابقين وهم الأنبياء المقربون عند ربّهم في جنات النعيم، فيصير الناس ثلاثة أصناف، لكل صنف مكان عند الله، فالسابقون وهم الأنبياء والرّسل والصّديقون والشهداء وأمثالهم: في منزلة خاصة هي أعلى المنازل، وأصحاب الميمنة: في منزلة أدنى في الجنة، وأصحاب الشمال وهم الكفار في نيران الجحيم، وهذا ما نجده صريحا في الآيات الآتية في مطلع سورة الواقعة المكّية بإجماع من يعتدّ بقوله من المفسرين:
[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 12]
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)
وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9)
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8» [الواقعة: 56/ 1- 12] .
إذا حدثت القيامة، والواقعة اسم من أسماء القيامة، كالصّاخّة والآزفة والطّامّة.
(1) إذا حدثت القيامة.
(2)
حرّكت تحريكا شديدا.
(3)
فتّتت.
(4)
متفرقا. [.....]
(5)
أصنافا ثلاثة.
(6)
أهل اليمين أصحاب الجنّة.
(7)
أهل الشّمال أهل النار.
(8)
الأنبياء ونحوهم السابقون إلى الخير في الدنيا.
وهذه كلها أسماء تقتضي تعظيمها وتشنيع أمرها، ليس لوقوعها صارف ولا دافع، ولا بد من أن تكون، وليس لها تكذيب ولا رد. وكلمة كاذِبَةٌ إما مصدر كالعاقبة والعافية وخائنة الأعين، أي ليس لها تكذيب ولا ردّ، وهذا قول قتادة والحسن، وإما أن تكون صفة لمقدّر، كأنه تعالى قال: ليس لوقعتها حال كاذبة.
- وهي خافضة أقواما كانوا في الدنيا مرفوعين، فتجعلهم في الجحيم، وهم الكفرة والفسقة، ورافعة أقواما كانوا في الدنيا مغمورين، فتجعلهم في الجنة، وهم المؤمنون. فقوله: خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3) خبر لمبتدأ، أي هي خافضة رافعة.
- إذا زلزلت وحرّكت الأرض بعنف تحريكا شديدا، حتى ينهدم كل ما عليها من بناء وجبال.
- وفتّتت الجبال فتّا، وصارت غبارا متفرّقا منتشرا أو شائعا في الهواء، كالهباء «1» الذي يطير في النار. وهذا يدلّ على دكّ الجبال وزوالها عن أماكنها يوم القيامة.
- وأصبحتم يوم القيامة من قسمين إلى ثلاثة أصناف: أهل اليمين أصحاب الجنة، وأهل الشمال أهل النار، والسابقون إلى الإيمان هم السابقون إلى الجنة والرحمة، وهم الأنبياء والرّسل والصّديقون والشهداء.
فأصحاب اليمين: هم الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم، ويؤخذون إلى الجنة، فما أحسن حالهم وصفتهم وأكمل سعادتهم! وقوله: ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ لتفخيم شأنهم وتعظيم أمرهم. وقوله: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ مبتدأ، والفاء تدلّ على التفسير، وقوله: ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما: مبتدأ ثان، وأصحاب الميمنة: خبر: ما، والجملة خبر المبتدأ الأول.
(1) الهباء: ما يتطاير في الهواء من الأجزاء الدقيقة، ولا يكاد يرى إلا في الشمس الداخلة من نافذة.
وأصحاب الشمال: هم الذين يتناولون كتبهم بشمائلهم، ويساقون إلى النار، فما أسوأ حالهم وأتعسهم!! والسابقون من كل أمة إلى الإيمان والطاعة والجهاد وأعمال البر، وهم: الأنبياء والرّسل عليهم السلام، والشهداء والصّديقون، والقضاة العدول، ونحوهم، إنهم السابقون إلى الجنة والرحمة، وهم المقرّبون إلى جزيل ثواب الله وعظيم كرامته والمقرّبون من الله تعالى في جنّة عدن، والمقيمون إلى الأبد في جنات النعيم.
وقوله: أُولئِكَ تدلّ على علو مكانتهم. وقوله: وَالسَّابِقُونَ مبتدأ، ووَ السَّابِقُونَ الثاني خبر على مذهب سيبويه، وجملة أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) مبتدأ وخبر، استئناف بياني. وقال بعض النّحويين: وَالسَّابِقُونَ الثاني: نعت للأول، وجملة أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) على هذا القول: في موضع الخبر.
وهذه الآية تتضمن أن العالم يوم القيامة ثلاثة أصناف: مؤمنون هم على يمين العرش، وهنالك الجنة، وكافرون وهم على شمال العرش، وهنالك النار. والسابقون إلى الإيمان والطاعة وهم عند الله تعالى في جنة عدن، أو في الفردوس أعلى الجنان وهي أعلى منازل البشر في الآخرة. ذكر الله تعالى أصحاب الميمنة متعجبا منهم في سعادتهم، وأصحاب المشأمة متعجبا منهم في شقاوتهم، ثم ذكر السابقين مثبتا حالهم، فأخبر أنهم نهاية في العظمة والسعادة.
والقول في يمين العرش وشماله أمر تقديري، كالقول في يمين الكهف وشماله في آية:
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ [الكهف: 18/ 17] بأن تقدر باب الكهف بمثابة وجه إنسان، فإن الشمس تجيء منه أول النهار عن يمين، وآخره عن شمال.
والسابقون: هم الذين سبقت لهم السعادة، وكانت أعمالهم في الدنيا سبقا إلى