الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جبل الطّور، وآتاه الله النّبوة والتّوراة، وجعله رسولا إلى فرعون وقومه، بني إسرائيل، وكانت معجزته الدّالة على نبوّته انقلاب العصا حيّة عظيمة، وإضاءة يده كالشمس المشرقة، وكلفه الله بتبليغ رسالته إلى فرعون وملئه: القوم الفاسقين، وتلك مهمة شاقّة وعسيرة.
قال الله تعالى واصفا هذه المرحلة الجديدة في حياة موسى كليم الله:
[سورة القصص (28) : الآيات 29 الى 32]
فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (32)
«1» »
«3» «4» «5» «6» «7» «8» «9» [القصص: 28/ 29- 32] .
لما أتم موسى عليه السلام أكمل المدّتين برعي غنم شعيب عليه السلام عشر سنين، أراد أن يسير بأهله إلى مصر وقومه، وقد أحسّ لا محالة بالترشيح للنّبوة، وكان رجلا غيورا لا يصحب الرفاق، فسار في ليلة مظلمة باردة، فأخطأ الطريق، واشتدّ عليه وعلى زوجته البرد، فبينا هو كذلك إذ رأى نارا، وكان ذلك نورا، من نور الله تعالى قد التبس بشجرة، من العلّيق أو الزعرور أو السمرة، فقال لأهله:
ابقوا في مكانكم أو أقيموا، إني رأيت نارا، لعلي آتيكم منها بخبر عن الطريق، أين
(1) آنس: أحسّ بالبصر، وأبصر بوضوح.
(2)
عود فيه نار.
(3)
تستدفئون.
(4)
تتحرك بشدة.
(5)
حيّة خفيفة في السرعة.
(6)
لم يرجع على عقبه ولم يلتفت.
(7)
أي داء برص ونحوه.
(8)
ضم إلى صدرك.
(9)
ضمّ يدك إلى صدرك يذهب عنك الخوف من الحية.
هو؟ أو بقطعة من النار في عود كبيرة لا لهب لها، أي إنها جمرة، لعلكم تستدفئون من البرد.
فلما أتى موسى ذلك الضوء الذي رآه، وهو في تلك الليلة ابن أربعين سنة، نبّئ بالنّبوة، حيث نودي في مكان النور من بعيد، من جانب الوادي التي هي عن يمين موسى من ناحية الغرب، أو أن الوادي وصف باليمن، في البقعة المباركة، وابتداء النداء من جهة الشجرة أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ وهذا تعريف بالمنادي المتكلم، وهو الله ربّ جميع العوالم من الإنس والجنّ.
ونودي بأن ألق عصاك التي في يدك، فألقاها فصارت حيّة عظيمة تسعى، فتحقق أن الذي يكلمه هو الله تعالى، فلما رأى العصا تتحرك، كأنها جانّ من الحيّات (وهي صغير الحيّات) فجمعت هول الثعبان ونشاط الجانّ، ولّى موسى هاربا، ولم يرجع ولم يلتفت إلى ما وراءه، خوفا منها، بحكم الطبيعة البشرية، فقال الله تعالى له: يا موسى ارجع إلى مكانك أو مقامك الأول، ولا تخف من هذه الحية، فأنت آمن من كل سوء. وهذا من تأمين الله تعالى إياه، ثم أمره بأن يدخل يده في جيبه، وهو فتحة الجبّة من حيث يخرج رأس الإنسان. ومعنى اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ أدخل يدك في فتحة قميصك العليا من جهة الرأس، ثم أخرجها، تخرج بيضاء تتلألأ، ولها شعاع، كأنها قطعة قمر مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أي من غير عيب ولا مرض ولا برص فيها.
وزيادة في التأمين، وإزالة لكثرة الخوف والفزع الذي ألمّ بموسى، وإعدادا له لتحمّل عبء الرسالة بعزم وحزم وهمة عالية، أمره الله بوضع يده على صدره، لإذهاب الخوف كما هي العادة المتّبعة، فهاتان آيتان أو معجزتان: وهما إلقاء العصا وانقلابها حية تسعى، وإدخال يدك في جيبك، فتخرج بيضاء مشعّة من غير سوء ولا مرض، هما دائما دليلان قاطعان واضحان من ربّك، دالان على قدرة الله وصحّة