الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلو لم يوجد البعث والحساب والجزاء، لما كان ذلك الخلق بالحق، بل كان بالباطل، ومن العدل: اختلاف الجزاء بين المحسن والمسيء، فتجزى كل نفس بما قدمت، من عمل صالح أو سيئ، وهم لا يظلمون شيئا بنقص ثواب أو زيادة عقاب.
الوثنية وإنكار البعث
للمشركين الوثنيين سيئات كثيرة، ومآخذ وعيوب عديدة، من أخطرها عبادة الأصنام، عملا بالهوى والشهوة، وإنكارهم البعث، وقولهم: ما يهلكنا إلا الدهر، أو الليل والنهار، وبعدهم عن الحق والخير، بسبب كفرهم وعنادهم، واعتمادهم على الأوهام والتخمينات، والتقليد الأعمى، فنبههم القرآن الكريم إلى أدلة قدرة الله وتوحيده، وإمكانه إحياء الناس مرة أخرى، وإلى حسابهم وجزائهم على ضلالهم، ومفاجأتهم بصحائفهم المدوّن فيها أعمالهم وعقائدهم، بالحق والعدل، دون زيادة أو نقص، لتكون شاهدة عليهم، وهذا بيان القرآن لأحوالهم:
[سورة الجاثية (45) : الآيات 23 الى 29]
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23) وَقالُوا ما هِيَ إِلَاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَاّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَاّ يَظُنُّونَ (24) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَاّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (26) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27)
وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)
«1» «2» «3» «4» «5»
(1) مجاز مرسل بإطلاق الرؤية وإرادة الإخبار من قبيل إطلاق السبب وإرادة المسبب.
(2)
خذله الله وزاد في ضلاله لعناده.
(3)
هذه كلها استعارات، لأن الضالين لا ينفعهم ما يسمعون، ولا ما يرون.
(4)
واضحات.
(5)
باركة على الركب أو مجتمعة أو مستوفزة مستعدة للانطلاق.
[الجاثية: 45/ 23- 29] .
آسى الله تعالى أو آنس نبيه عن إعراض المشركين عن الإيمان، فطلب منه ألا يحفل بهم، ولا يهتم بأمرهم، فليس فيهم حيلة لبشر، لأن الله بسبب إمعانهم في الكفر أضلهم. ومعنى الآية: أخبرني عن حال هؤلاء المشركين الذين أطاعوا أهواءهم، واتخذوا دينهم ما يهوونه، فكأنهم جعلوا الهوى إلها يعبدونه من دون الله، فلا يهوى أحدهم شيئا إلا اتبعه، وخذلهم الله، عالما بضلالهم، لفساد استعدادهم وأحوالهم، وطبع الله تعالى على أسماعهم وقلوبهم، فلا يسمعون الوعظ، وجعل على أبصارهم غطاء، فلا يبصرون الهدى والحق، فمن الذي يرشدهم للصواب بعدئذ؟ أفلا تتذكرون وتتعظون أيها المشركون؟ والهوى: ما تريده النفس وتحبّه.
نزلت كما أخرج ابن المنذر وابن جرير الطبري عن سعيد بن جبير قال: كانت قريش تعبد الحجر حينا من الدهر، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه، طرحوا الأول، وعبدوا الآخر، فأنزل الله: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ. وهذه الآية وإن كانت نزلت في هوى الكفرة، فهي متناولة جميع أهواء النفس الأمّارة بالسوء. وآية وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ.. قال مقاتل: نزلت في أبي جهل.
وهذه الآية لا حجة للجبرية فيها، لأن التكسب فيها منصوص عليه في قوله تعالى: اتَّخَذَ وفي قوله تعالى: عَلى عِلْمٍ أي على علم من هذا الضلال، فإن الحق هو الذي يترك ويعرض عنه، فهم معاندون مكابرون.
وقال المشركون الماديون، والدهريون المنكرون للبعث: ما في الوجود إلا هذه الحياة الدنيوية التي نحن فيها، وليست ثمّ آخرة ولا بعث، وما يهلكنا إلا طول الزمان
أو الدهر، ولا دليل لهم على هذه المقالة من نقل أو عقل، وما مستندهم إلا الظن والتخمين، من غير حجة أصلا، فهي ظنون منهم وتخرّصات، تفضي بهم إلى الإشراك بالله تعالى. والدهر والزمان بمعنى واحد عند العرب. أخرج ابن المنذر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، فأنزل الله: وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ودليلهم على إنكار البعث ما قالوا: إذا تليت عليهم بعض آيات القرآن، واضحات الدلالة على قدرة الله على البعث والقيامة، قالوا: أحضروا آباءنا الذين ماتوا أحياء، إن كنتم أيها المؤمنون صادقين في إمكان البعث، لنسألهم عما رأوا، ويشهدوا لنا بصحة البعث.
فأجابهم الله تعالى: قل أيها النبي لهؤلاء المشركين منكري البعث: إن الله أحياكم في الدنيا، ثم يميتكم عند انقضاء آجالكم، ثم يجمعكم جميعا يوم القيامة، جمعا لا شك فيه بعد إماتتكم، بلا ريب في نفسه وذاته، فإن الذي قدر على البداءة، قادر على الإعادة بطريق الأولى، ولكن أكثر الناس، وهم مشركو العرب ينكرون البعث، من غير تأمل ولا تدبر وإمعان فكر.
ودليل آخر على إمكان البعث: قدرة الله الخارقة، فالله مالك السماوات والأرض، والحاكم فيهما، والمتصرف بهما وحده في الدنيا والآخرة، ويوم تقوم القيامة، يخسر المكذبون الكافرون المتعلقون بالأباطيل، بدخول جهنم، يظهر خسرانهم في ذلك اليوم، لصيرورتهم إلى النار.
ومن أهوال القيامة: ترى كل أمة (جماعة عظيمة من الناس يجمعها معنى أو وصف شامل لها) جاثية على الركب، وهي هيئة المذنب الخائف، فهم لشدة الأمر، يجثون على الركب بين يدي الله عند الحساب، وكل أمة تدعى إلى كتابها المنزل