الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 21 الى 27]
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَاّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (25)
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27)
»
[الأحزاب: 33/ 21- 27] .
أوجب الله تعالى على كل مسلم أن يقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام، حين قاتل وصبر وجاد بنفسه، في وقعة الأحزاب وغيرها، والمعنى: لقد كان لكم معشر المؤمنين، أسوة أي قدوة صالحة يقتدى به وهو رسول الله، فهو مثل أعلى لكم في الشجاعة والإقدام، إذا كنتم تريدون ثواب الله وفضله على العمل الصالح، وتخشون الله وحسابه، وتذكرونه ذكرا كثيرا في جميع الأوقات، حبا به سبحانه وتعظيما له، وخشية منه، وطمعا في فضله ورحمته، فإن ذكر الله تعالى دافع لطاعته، ومانع من نقمته، والتأسي برسوله. وهذا عتاب للمتخلفين، وإرشاد للتأسي برسول الله. وبما أن ذكر الله من خير الأعمال نبّه عليه الحق سبحانه وتعالى.
وموقف المؤمنين يختلف عن المنافقين، فحينما شاهد المؤمنون فئات الأحزاب وجموعهم الحاشدة قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله من الاختبار بمجابهة الأعداء ثم يعقبه النصر القريب، وصدق الله ورسوله الوعد بالنصر، وما زاد المؤمنين تجمع
(1) حصونهم.
الأعداء وتكاثرهم لحربهم، وصبرهم على البلاء، إلا إيمانا بالله ورسوله، واستسلاما لقضائه وقدره، وانقيادا لأمره ونهيه. والتسليم: الانقياد لأمر الله تعالى كيف جاء.
ويختلف موقف المؤمنين أيضا عن المنافقين بالوفاء بالعهد، فهم صدقوا العهد مع الله تعالى، ووفوا بما عاهدوا الله عليه من الصبر في حال الشدة والبأس، فمنهم من انتهى أجله واستشهد كيوم بدر وأحد، ومنهم من ينتظر قضاء الله والشهادة وفاء بالعهد، وما بدّلوا عهدهم وما غيروه، بخلاف المنافقين الذين ولّوا الأدبار، وبدّلوا الأقوال ونقضوا العهود. وهذا ثناء من الله على عباده المؤمنين الذين عاهدوا الله على الاستقامة التامة، فوفوا نذورهم وعهودهم، قال الحسن: قضى نحبه: مات على ما عهد.
إن تعرض المؤمنين للمحن والبلايا واختبارهم بالخوف وملاقاة الأعداء، من أجل تمييز الخبيث من الطيب، ومكافأة الصادقين في إيمانهم، بصبرهم على ما عاهدوا الله عليه، وقيامهم به ومحافظتهم عليه، ولتعذيب المنافقين الذين كذبوا، ونقضوا العهد، وأخلفوا الأوامر واعتذروا بالأعذار الكاذبة، فاستحقوا العذاب واللوم.
إن الله تعالى كان وما يزال كثير المغفرة حيث ستر ذنوب عباده ورحمهم ورزقهم الإيمان، ووفقهم للتوبة، ولم يعاقبهم على ما مضى بعد التوبة الخالصة. وهذا حث على التوبة والإيمان قبل فوات الأوان.
وكانت نهاية معركة الأحزاب أو الخندق تحقيق النصر للمؤمنين، وهزيمة الكافرين، وجلاءهم عن المدينة بعد الحصار الشديد، فقد ردّهم الله تعالى عن المدينة خائبين خاسرين، مع شدة غيظهم، لعدم تحقيق مآربهم، ولم يحققوا خيرا لأنفسهم، لا في الدنيا من الظفر والمغنم، ولا في الآخرة من الآثام والعذاب وإحباط
الأعمال، بسبب عداوتهم للنبي عليه الصلاة والسلام، ومحاولاتهم التخلص منه، بالقتل أو غيره.
وكفى الله المؤمنين القتال، أي لم يحوجهم إلى قتال ومبارزة، حتى يجلوا الأعداء عن بلادهم، بل كفاهم الله وحده شرهم، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، وكان الله وما يزال صاحب القوة ومصدرها، قادرا على استئصال الأعداء وإذلالهم، لا يغلبه أو يقهره أحد مهما كان قويا.
وتحقيق هذا النصر الإلهي الواضح على جموع الأحزاب يستدعي الشكر والحمد لله جل جلاله، وزيادة الإيمان بقدرته، لذا
كان عليه الصلاة والسلام فيما أخرج الشيخان يقول: «لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، فلا شيء بعده» .
ثم ذكر الله هزيمة بني قريظة الذين تواطؤوا مع قريش في غزوة الأحزاب، فإن الله تعالى أنزلهم من حصونهم وقلاعهم، وأجلاهم عنها، وألقى في نفوسهم الخوف الشديد، لممالأتهم المشركين على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم، وصار أمرهم أن قتل المسلمون فريقا منهم، وهم الرجال المقاتلون، وأسروا فريقا منهم، وهم النساء والصبيان.
وجعل الله أراضيهم المزروعة ومنازلهم المعمورة وأموالهم المدخرة وأرضا أخرى لم تطأها أقدام المؤمنين في عهد النبوة، وهي التي ستفتح في المستقبل، جعلها الله كلها للمسلمين، مثل خيبر ومكة وفارس والروم، وكان الله وما يزال تام القدرة على كل شيء، ينصر من يشاء، ويذل من يشاء.