الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأفراد والجماعات إذا فعلوا مثل فعلهم، سواء من أهل مكة المشركين في الماضي، أو من أهل الأقطار والبلاد الأخرى. وهذا اللون من العقاب أخفّ بكثير إذا قورن بألوان العذاب الأخروي. والفرق بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فرق واضح، الأول مؤقت، ومقصور على فئات خاصة، والثاني دائم خالد لا يزول، شامل كل من جحد بالله ومات على كفره.
هول القيامة وحال الأبرار فيها
للقيامة أهوال وأحزان، ومفاجات وكوارث، تبدأ من نفخة الفزع التي ينفخها إسرافيل في الصور (وهو القرن الذي ينفخ فيه) ومعها يكون الصعق، ثم يعقبها نفخة البعث، وبعد النفخة الأولى تدكّ الأرض والجبال، وتنشق السماء وتنتثر الكواكب والنجوم، ثم يكون الحساب للأبرار والفجّار، أما الأبرار: فهم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم، ويهنأون في العيش الرغيد الخالد، في جنات النعيم، وأما الفجار: فهم الأشقياء الذين يعطون كتبهم بشمائلهم أو من وراء ظهورهم، ويعذّبون في الجحيم بسبب كفرهم وإحجامهم عن الخير، كما يتضح في الآيات الآتية:
[سورة الحاقة (69) : الآيات 13 الى 24]
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (17)
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (22)
قُطُوفُها دانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (24)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» «8»
(1) الصّور: القرن الذي ينفخ فيه.
(2)
هي نفخة القيامة التي للفزع والصعق.
(3)
أي تصير الأرض والجبال كتلة واحدة.
(4)
قامت القيامة.
(5)
كناية عن تصدّعها وتبدّدها.
(6)
مختلة ضعيفة غير متماسكة.
(7)
هو مخلوق وأعظم المخلوقات.
(8)
خذوا.
«1» «2» «3» [الحاقّة: 69/ 13- 24] .
ذكّر الله تعالى بأمر القيامة في هذه الآيات، ومبدؤها حين ينفخ إسرافيل النفخة الأولى التي يكون عندها خراب العالم، وحدوث الفزع والصعق. ثم تكون نفخة البعث. وقيل: هي نفخات ثلاث: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ثم نفخة البعث.
وبعد النفخة الأولى ترفع الجبال من أماكنها بقدرة الله، ويضرب بعضها ببعض ضربة واحدة، وتصير مع الأرض كتلة واحدة، وترجع كثيبا مهيلا، وتتبدد وتتغير.
فحينئذ قامت القيامة، ووقعت النازلة. فقوله: وَقَعَتِ الْواقِعَةُ معناه: قامت القيامة والطّامّة الكبرى.
وتصدّعت السماء، فتصير يومئذ ضعيفة مسترخية، غير متماسكة الأجزاء، وتتبدل هي والأرض تبدّلا محسوسا واضحا، ويبرز الناس للحساب بين يدي الله تعالى.
وتكون الملائكة على جوانب السماء وحافاتها على أتم الاستعداد لتنفيذ ما يأمرهم الله به. ويحمل عرش ربّك فوق رؤوس الملائكة الذين هم على الأرجاء (الجوانب) ثمانية أملاك. وقوله: الْمَلَكُ اسم جنس، يريد به الملائكة. وضمير أَرْجائِها عائد على السماء، أي الملائكة على نواحيها وجوانبها. والعرش في اللغة: سرير الملك، وهو أعظم مخلوقات الله تعالى، نؤمن به، ونفوض الأمر في وصفه لله عز وجل.
في ذلك اليوم، يعرض العباد على الله تعالى لحسابهم، فلا يخفى على الله من
(1) ذات رضا.
(2)
ثمارها قريبة التناول.
(3)
الماضية في الدنيا.
ذواتكم وأقوالكم وأفعالكم وأموركم خافية، كائنة ما كانت، فهو تعالى يعلم السرّ وأخفى. وهذا تهديد ووعيد.
والناس بعد الحساب فريقان: سعداء أبرار، وأشقياء فجّار.
أما الأبرار: فهم الذين يؤتون كتبهم التي كتبتها الحفظة عليهم من أعمالهم، فيقول السعيد صاحب اليمين لكل من لقيه: خذوا هذا الكتاب فاقرؤوا ما فيه، لعلمه أنه صار من الناجين، بعد أن كان خائفا مضطربا كشأن أهل المحشر كلهم، كما قال تعالى: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) أي تيقّنت وعلمت أني ألقى حسابي في هذا اليوم، فيؤاخذني الله بسيئاتي، ولكنه تعالى تفضّل علي بالعفو، ولم يؤاخذني بها. والآية عبارة عن إيمان هذا السعيد بالبعث وغيره. فهو يقول: لقد علمت وأيقنت في الدنيا أني أحاسب في الآخرة، وأن هذا اليوم كائن لا محالة. قال قتادة: ظنّ هذا ظنّا يقينيا فنفعه، وقوم ظنوا ظن شك فشقوا به.
ومصير هذا السعيد: أنه بعد تلقي كتابه بيمينه هو في عيشة مرضية أو ذات رضا، خالية من المكدّرات، غير مكروهة، في جنة مرتفعة المكان، رفيعة القدر، عالية المنازل، مكانا وقدرا، دائمة السرور، ثمارها قريبة التناول لكل أحد بحسب راحته، يتناولها القائم والقاعد والمضطجع. والقطوف: جمع قطف: وهو ما يجتنى من الثمار ويقطف. ودنوها: هو أنها تأتي طوع التّمني، فيأكلها القائم والقاعد والمضطجع، بفيه، من شجرتها.
ويقال لهؤلاء السعداء من الملائكة الأبرار: كلوا أيها المتّقون الأبرار في الجنّة من طيباتها وثمارها، واشربوا من أشربتها الهانئة، أكلا وشربا هنيئا، أي لا تكدير فيه ولا تنغيص، جزاء لما عملتم، وبسبب ما قدمتم من الأعمال الصالحة في الدنيا. والْأَيَّامِ الْخالِيَةِ هي أيام الدنيا، لأنها في الآخرة قد خلت وذهبت. وأَسْلَفْتُمْ قدمتم.