الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير سورة الصافات
من أدلة الوحدانية والقدرة على البعث وغيره
في الكون عجائب المخلوقات والخلق، ففيه الملائكة ذوو الصفات والمهام المتعددة، وفيه السماوات والأرضون، وفي السماء الكواكب الكبيرة والصغيرة التي تزيّن بها السماء الدنيا، وفي السماوات من الكواكب أكبر بكثير مما نشاهده، وفي البشر أناس أشداء الخلق والتكوين، وذلك كله من المظاهر الدالة على وجود الله ووحدانيته وقدرته وعظمته، والعقلاء: هم الذين يقدّرون هذا ويوقنون به، وهذا ما افتتحت به سورة الصافات المكية النزول، والتي تدل بجملها وتراكيبها الموجزة على إعجاز القرآن وفصاحته، وتأثيره البليغ في النفوس، تأثيرا يهز المشاعر، ويحرّك العواطف، قال الله تعالى:
[سورة الصافات (37) : الآيات 1 الى 21]
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (3) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (4)
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (6) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (9)
إِلَاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (10) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)
وَقالُوا إِنْ هذا إِلَاّ سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (18) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)
وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (20) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)
«1» «2» «3»
(1) أي طردا وإبعادا.
(2)
أي دائم.
(3)
أي يطلبون أن يكونوا ممن يسخر، أو بمعنى: يسخر، مثل:
(واستغنى الله) فيكون فعل واستفعل بمعنى واحد.
«1» [الصافات: 37/ 1- 21] .
أقسم الله تعالى في هذه الآيات بالملائكة المتصفين بصفات ثلاث: وهي وقوفهم صفوفا للعبادة، أو في الهواء تصفّ أجنحتها انتظارا لأمر الله تعالى، وتزجر السحاب زجرا، أي تسوقه وتحركه سوقا، وتتلو أو تقرأ ذكر الله أي كتبه. وجواب القسم أن الله واحد لا شريك له، وأنه رب السماوات والأرض وما بينهما من سائر المخلوقات، ورب مشارق الشمس وهي أماكن طلوعها بعدد أيام السنة، ولها أيضا مغارب مماثلة، مفهومة بدلالة الآية، فلكل مشرق ومغرب كما جاء في آية أخرى: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40)[المعارج: 70/ 40] .
ثم أخبر الله تعالى عن قدرته بتزيين السماء الدنيا بالكواكب الكثيرة، وانتظم التزيين بجعلها حفظا وحرزا من الشياطين المردة، وهم مسترقو السمع، فإذا أراد شيطان استراق السمع انقضّ عليه شهاب ثاقب فأحرقه. ولا يقدر الشياطين أن يتسمعوا لحديث الملأ الأعلى: وهم الملائكة، في السماء الدنيا وما فوقها، لأنهم يرمون بالشهب.
ومرادهم أن يسترقوا شيئا مما يوحيه الله تعالى لملائكته من الشرع والقدر. والملأ الأعلى: أهل السماء الدنيا فما فوقها.
فيكون للشهب والكواكب السماوية فائدتان كبيرتان: تزيين السماء الدنيا، وحفظها من مردة الشياطين. والمارد: المتجرد للشر. وحض الله السماء الدنيا بالذكر
(1) صاغرون وذليلون. [.....]
لأنها التي تشاهدها أبصارنا، وأيضا فالحفظ من الشياطين إنما هو فيها وحدها.
وحفظا: منصوب على المصدر.
إن الشياطين يرمون بالشهب من كل جانب أو جهة يتجهون إلى السماء منها، إذا أرادوا الصعود لاستراق السمع. ويبعدون ويطردون طردا ويمنعون من الوصول إلى مقاصدهم، ولهم في الآخرة عذاب دائم مستمر موجع. والدحور: الإصغار والإهانة حال الطرد، لأن الزجر: الدفع بعنف.
وطرد الشياطين هي الحال الغالبة على جميع الشياطين إلا من شذ، فخطف خبرا أو نبأ، فأتبعه شهاب فأحرقه.
فاسأل أيها الرسول منكري البعث: أيهم أشد خلقا، أي أصعب إيجادا، هم أم السماوات والأرض وما بينهما من الأمم والملائكة والشياطين والمشارق والمخلوقات العظيمة؟
وقد نزلت الآية في الأشد بن كلدة وأمثاله، سمي بالأشد لشدة بطشه وقوته.
والسؤال بقصد التوبيخ والتقريع.
إنا خلقنا أصلهم: وهو آدم من طين لزج يلتصق باليد، فإذا كانوا مخلوقين من هذا الشيء الضعيف، فكيف يستبعدون المعاد؟ وهو إعادة الخلق من التراب أيضا.
واللازب: اللازم، أي يلازم ما جاوره ويلصق به، وهو الصلصاص.
بل في الواقع لا حاجة لاستفتائهم، فهم قوم أهل تكبر وعناد، وأنت يا محمد تتعجب من تكذيب هؤلاء المنكرين للبعث، لإيقانك بقدرة الله العظمى، وهم إذا وعظوا لا يتعظون ولا ينتفعون بالموعظة. وإذا شاهدوا دليلا واضحا، أو معجزة أو علامة ترشدهم إلى الإيمان يبالغون في السخرية والاستهزاء، ويتنادون للتهكم والتضاحك.