الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاعلام العام بآيات الله
إذا استبد الكفر والعناد ببعض الناس، لم يبق إلا أن يقهر على المعرفة، ويتحدى بالمحسوسات المشاهدة الدالة على الحق، والتي تستأصل كل ريب أو شك في النفس إذا استجاب لهذا الإقناع، ولذا حمل القرآن الكريم على المشركين الذين أغلقوا على أنفسهم نافذة الوصول إلى الحق والخير والهداية، فاستحقوا التهديد والوعيد، وكشف الله باطلهم، وأبان حقيقة أمرهم، وهي أنهم قوم يشكون في الآخرة، وما فيها من ثواب وعقاب وحساب عسير. وهذا ما أوضحته الآيات الآتية:
[سورة فصلت (41) : الآيات 52 الى 54]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)
«1» «2» «3» [فصلت: 41/ 52- 54] .
أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقف قريشا على هذه الحجة الدامغة، الصادرة من أنفسهم، فقل أيها الرسول: أرأيتم أي أخبروني إن كان هذا الشرع من عند الله وبأمره، ثم خالفتموه أنتم، ألستم على هلكة من الله تعالى؟ فلا أحد أضل ممن يبقى على هذه الحال من الغرور من الله، ومجافاة الحق، والوقوف في جانب المخالفة والمشاقّة، والمعاداة البعيدة المدى. وإن كان هذا القرآن من عند الله حقا، ثم كذبتم به، ولم تقبلوه، أفلا تكونون أعداء للحق والصواب؟ بل في الواقع لا أحد أضل منكم لشدة عداوتكم، وإمعانكم في الكفر والعناد، ومعاداة الحق وأهله.
فيكون الضمير في قوله تعالى أَنَّهُ الْحَقُّ عائدا على الشرع والقرآن.
(1) أي لا أحد أفضل ممن يبقى في خلاف كبير معاد للحق، بعد بيان دواعي الإيمان.
(2)
أي شاهد على ما يفعله الناس وغيرهم. [.....]
(3)
أي في شك خطير.
ثم وعد الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه سيري الكفار آياته، وهذا يدعو إلى التأمل والتفكر في تلك الآيات، إننا سنظهر لهم دلالات صدق القرآن، وعلامات كونه من عند الله، في أقطار السماوات والأرض والبلاد، وإبداع الأشياء، وفي خلق أنفس البشر، حتى يتضح الحق لكل ذي عينين.
وللمفسرين ثلاثة اتجاهات في إراءة آيات الله تعالى في الآفاق، فقال المنهال بن عمرو، والسّدّي وجماعة: هو وعد بما يفتحه الله تعالى على رسوله من الأقطار حول مكة، وفي غير ذلك من الأرض كخيبر ونحوها. ويكون قوله وَفِي أَنْفُسِهِمْ أراد به فتح مكة. قال ابن عطية: هذا التأويل أرجح التأويلات.
وقال قتادة والضحاك سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ: هو ما أصاب الأمم المكذبة في أقطار الأرض. ويكون قوله وَفِي أَنْفُسِهِمْ يوم بدر.
وقال ابن زيد وعطاء: الآفاق: آفاق السماء، وأراد به الآيات في الشمس والقمر والرياح وغير ذلك. وقوله تعالى: وَفِي أَنْفُسِهِمْ: يراد به اعتبار الإنسان بجسمه وحواسّه، وغريب خلقته، ومراحل تكوينه في البطن ونحو ذلك.
وهذا المعنى الثالث: هو الظاهر لعمومه وانسجامه مع سياق الآيات، فيراد من إراءة الله تعالى آياته في الآفاق: إقناعهم بقدرته وعظمته، وإلزامهم بالحجة المحسوسة الملجمة لهم، ليتبين الحق، ويظهر لهم أن القرآن هو الحق القاطع. وقد أيدت وصدقت القرآن وإشاراته تلك النظريات العلمية الصحيحة في المطر والسحاب، وغزو الفضاء، واكتشاف الكواكب وخزائن الأرض، وعجائب خلق الأجنة في الإناث، وغير ذلك وغير ذلك من الآيات الدالة على كمال القدرة الإلهية، وتمام الحكمة، وعجائب مصنوعات الله، حتى يظهر أن دين الحق هو ما اشتمل عليه كتاب الحق:
وهو القرآن العظيم.
وإذا لم يتأمل الناس ولا سيما العلماء بآفاق السماوات والأرض وأسرار الأنفس، كفى بالله شاهدا على أفعال عباده وأقوالهم، من الكفار وغيرهم، وكفى بالله شاهدا على صدق القرآن وأنه من عند الله.
ثم كشف الله تعالى سبب عناد المشركين: وهو أنهم في الواقع في شك خطير من أمر البعث والحساب، والثواب والعقاب، ولا قيمة لهذا الموقف المعادي، فإن الله تعالى أنذر وبشّر، وأبلغ وأقنع، وأحاط علمه بجميع المعلومات، وشملت قدرته جميع المقدورات، والمخلوقات كلها تحت قدرته وفي قبضته، والأحداث جميعها في تصرفه وعلمه وتدبيره، فبإظهار الله تعالى شرعه ودينه في كل مكان، وفتح البلاد للنبي عليه الصلاة والسلام، يتبين لهم أنه الحق، وتوّج كل هذا بوعد الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أنه كافيه وناصره ومدبر أموره كلها، وفي هذا الوعد بإحاطة الله لكل شيء: وعيد للكفار أيضا. وإحاطته تعالى: هي بالقدرة والسلطان، وقد تحقق الوعد والوعيد مع مرور الزمان.