الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحده حين التعرض للغرق وارتفاع الأمواج، فلم يبق بعد هذا الاستدلال عذر لأحد بالشرك والإشراك، وعبادة الأصنام والأوثان، وما على كل إنسان إلا أن يبادر إلى الإيمان بالله وحده لا شريك له، فذلك هو الحق والحقيقة، وكل ما سوى ذلك باطل، قال الله تعالى واصفا هذه الأدلة:
[سورة لقمان (31) : الآيات 29 الى 32]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَاّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)
[لقمان: 31/ 29- 32] .
مطلع الآية الأولى: أَلَمْ تَرَ خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به جميع العالم. ومجمل الآية: أن الخالق المخترع هو الذين خلق الليل والنهار متدرجين متعاقبين. والمعنى: ألم تشاهد أن الله تعالى في شأن إيجاد الليل والنهار على هذا النحو من الزيادة والنقص، بحيث يقصر من أحدهما ويزيد من الآخر، ثم بالعكس، ليدلك دلالة على الموجود الخالق، ففي ذلك قسمة الزمان بحكمة بارئ العالم، ليدل على أنه لا رب غيره.
والله تعالى أيضا في عالم السماء ذلّل لنا الشمس والقمر، مصباحين نيّرين، لمصالح الخلق والمخلوقات ومنافعهم، كل منهما يسير بسرعة إلى غاية محدودة، وأن الله مطلع بدقة على جميع أعمال الناس، خيرها وشرها، ويجازيهم عليها، فالله هو الخالق لجميع الأشياء، والعالم بكل الأشياء.
والغاية من هذا البيان وإظهار الآيات وأدلة القدرة الإلهية: أن يعرف الناس أن
الله هو الحق، أي الموجود الثابت المستحق للعبادة، وأن كل ما سواه باطل زائل، فهو وحده سبحانه الإله، ولا تعدد في الآلهة، وهو الغني عما سواه، وكل شيء فقير إليه، وأنه تعالى العلي العظيم الذي لا أعلى منه، المرتفع على كل شيء، الكبير الذي هو أكبر من كل شيء، شامل العزة، وكامل السلطان، وكل شيء في الوجود خاضع له.
ودليل آخر، ألم تعلم أيها النبي أيضا وكل مخاطب أن الله سخر البحر لتجري السفن فيه بأمره، أي بلطفه وإحسانه، وتهيئته الأسباب، ليرشدكم إلى معرفته، ويظهر لكم بعض آثار قدرته، فإنه تعالى لولا جعله القوة في الماء لحمل السفن، لما جرت بتأثير الرياح وغيرها من الطاقات المخترعة بإلهامه من فحم وكهرباء وذرة. إن في إيراد هذا الدليل وغيره لأدلة واضحة لكل صابر صبور وقت الشدة، وشاكر شكور وقت النعمة، لأن المؤمن يتذكر ربه في كل حال، فيصبر إذا أصابته نقمة، ويشكر إذا أتته نعمة. قال الشعبي:«الصبر نصف الإيمان، والشكر نصفه الآخر، واليقين: الإيمان كله» .
غير أن المشركين وأمثالهم قوم متناقضون، فإذا أشرفوا على الغرق، وأحاطت بهم أمواج البحر العالية أو العاتية كالجبال، وخافوا من الموت، عادوا إلى الفطرة، ودعوا الله دعاء خالصا، مشتملا على مزيد الضراعة والإنابة، لا يشركون به غيره، ويستغيثون به وحده، فلما نجوا برحمته وفضله ووصلوا إلى شاطئ البحر، ونزلوا إلى البر، فمنهم مقتصد في الكفر، يتجه فورا إلى توحيد إلى الله تعالى، ومنهم غدار ناقض للعهد، كافر بأنعم الله عز وجل، وما يكفر بآيات الله الكونية والقرآنية إلا كل ختّار أي غدار، قبيح الغدر، كفور، أي جحود بما أنعم الله عليه.
وذلك أن نعم الله تعالى على العباد كأنها عهود ومنن، يلزم عنها أداء شكرها،