الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إثبات النّبوة والوحي القرآني
أقسم الله تعالى بمساقط أو مواقع النجوم على أن القرآن كتاب كريم، مصون في كتاب محفوظ، وهو اللوح المحفوظ، منزل تنزيلا من ربّ العالمين، والشّك فيه شكّ ساقط لا قرار له. لذا وبّخ الله تعالى المشركين على عقيدتهم الباطلة بإنكار توحيد الله وتكذيب رسوله، وإنكار المعاد. ثم ذكر الله تعالى أحوال الأصناف الثلاثة الذين بدئت بهم سورة الواقعة، وهم السابقون المقرّبون، وأصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، وجزاء كل فريق يوم القيامة، وهذا هو الحق الثابت الذي لا شك فيه، فيقتضي التوجّه للآخرة وتنزيه الله عن كل نقص، كما تقرر هذه الآيات:
[سورة الواقعة (56) : الآيات 75 الى 96]
فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلَاّ الْمُطَهَّرُونَ (79)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (80) أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84)
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89)
وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)
إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)
«1» «2» «3» «4» «5» «6» «7» [الواقعة: 56/ 75- 96] .
أخرج مسلم عن ابن عباس قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة وضعها
(1) مساقطها للغروب. [.....]
(2)
محفوظ مصون.
(3)
خطاب للكفار، والمراد يلاين بعضكم بعضا ويتبعه في الكفر.
(4)
مجرى الطعام.
(5)
أي غير محاسبين ومجزيين.
(6)
فالنّزل المعدّ ساعة القدوم ماء شديد الحرارة، واصطلاء بنار جهنم.
(7)
إن المذكور في هذه السورة هو.
الله،
وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا، فنزلت هذه الآيات: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) حتى بلغ: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) .
أقسم الله تعالى بمواقع النّجوم تعظيما لشأن القرآن أنه تنزيل من ربّ العالمين، ومواقع النجوم: مساقطها عند الغروب. وإن هذا القسم عظيم لو تعلمون ذلك.
والضمير يرجع إلى القسم المفهوم، من الكلام المتقدّم. والمقسم عليه هو أن هذا القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم لكتاب كثير المنافع والفوائد، لما فيه من: العلم والهدى والحكمة والإرشاد إلى سعادة الدنيا والآخرة.
وجاء القسم هكذا: فَلا أُقْسِمُ بالنّفي، والمراد: أقسم، لأن العرب تزيد (لا) قبل فعل (أقسم) كأنه ينفي ما سوى المقسم عليه، فيفيد التأكيد، أي كأنه تعالى يقول: فلا صحة لما يقوله الكفار. فتكون (لا) نافية، في رأي بعض النحويين، وقال بعضهم: هي زائدة، والمعنى: فأقسم، وزيادتها في بعض المواضع أمر معروف. وقال آخرون: هي مؤكدة، تعطي في القسم مبالغة، وهي كاستفتاح كلام، مثل:(فلا وأبي، أي فو أبي) .
وبعد أن وصف الله القرآن بأنه كريم، أي كثير المنافع، وصفه بثلاث صفات أخرى وهي: أنه محفوظ في اللوح المحفوظ، لا يطّلع عليه إلا الملائكة المقرّبون وهم الكروبيون. ولا يمسّه في السماء إلا الملائكة الأطهار، وكذلك لا يمسّه في الدنيا إلا المطهّرون من الحدثين الأصغر والأكبر، وهو منزّل تنزيلا متدرّجا من الله تعالى، فليس هو بسحر ولا كهانة ولا شعر ولا قول بشر، بل هو الحق الثابت الذي لا مرية فيه.
وقال جماهير العلماء: لا يمسّ المصحف من بني آدم إلا الطاهر من الكفر والجنابة والحدث الأصغر،
وفي كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم- الذي أخرجه عبد الرزاق وأبي داود وابن المنذر، عن عبد الله بن أبي بكر- «ولا يمسّ القرآن إلا طاهر» .
ثم وبّخ الله تعالى الكفار المتهاونين في شأن القرآن، فقال: أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ.. أي أبهذا القرآن الموصوف بالصفات الأربع السابقة أنتم متهاونون، يلاين بعضكم بعضا، ويتبعه في الكفر؟ وتجعلون شكر رزقكم من السماء: وهو المطر، أو من الأرض: وهو الزرع أنكم تكذبون بنعمة الله وبالبعث وبما دلّ عليه القرآن، فتضعون التكذيب موضع الشكر؟ وهذا توبيخ للقائلين في المطر: هذا بنوء كذا وكذا، كالأسد والجوزاء وغير ذلك.
وتوبيخ آخر للمشركين، فهلا إذا وصلت الروح الحلق حين الاحتضار، وأنتم ترون بالعين المحتضر قد قارب فراق الحياة، تنظرون إليه وما يكابده من سكرات الموت، ونحن بالعلم المحيط أقرب إليه منكم، ولكن لا تبصرون ملائكة الموت الذين يتولون قبض روحه. والمراد التأمّل والنظر في أن الله مالك كل شيء.
فهلا إن كنتم غير محاسبين أو غير مملوكين ولا مجزيين في عالم البعث والحساب، تمنعون موته وترجعون الروح التي بلغت الحلقوم (مجرى الطعام) إلى مقرّها الذي كانت فيه، إن كنتم صادقين في زعمكم أنكم لن تبعثوا. وهذه الحال: هي نزاع المرء للموت. والمدين: المملوك في الأصح.
ومصائر الناس عند احتضارهم وبعد وفاتهم أصناف ثلاثة:
1-
فأما إن كان المتوفى من السابقين المقرّبين: وهم الذين فعلوا الواجبات والمستحبّات، وتركوا المحرّمات والمكروهات وبعض المباحات، فلهم استراحة ورحمة وطمأنينة وهو الروح، ورزق حسن للبدن وهو الريحان أو الطيب، وجنة نعيم للروح والجسد، أي إن المرء من السابقين يلقى عند موته روحا (رحمة وسعة) ، وريحانا (وهو الطّيب) وهو دليل النّعم، أو هو كل ما تنبسط إليه النفوس.
2-
وأما إن كان المتوفى من أهل اليمين: وهم الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم، فتبشرهم الملائكة قائلين: سلام لك يا صاحب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين، أي ليس في أمرك إلا السّلام والنّجاة من العذاب.
3-
وأما إن كان المتوفى من المكذبين بالحق والبعث، الضّالّين عن الهدى، وهم أصحاب الشمال، فإن ضيافتهم ساعة لقائهم ماء شديد الحرارة ثم تصلية في جهنم.
إن هذا الخبر لهو محض اليقين وخالصة والحق الثابت الذي لا شكّ فيه، فأعرض عن أقوال الكفار، وأقبل على أمور الآخرة، وعبادة الله تعالى.